للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
القوة المنهجية
لبث عددا من السنين، أقتفي أثار المستشرقين، وأستقصي أخبارهم، وأنا في كل هذا وذاك كنت على يقين تام، لا يخالطه شك ولا تدخل عليه شبهة، أنهم لا يمرون على أمة، إلا وسعوا سعيهم وحرصوا جهدهم، في تغليب ثقافتهم وأساليب تفكيرهم، على ثقافتها وأسلوب تفكيرها، وليس ذلك بالحجة والبرهان، وإنما بالغصب والإكراه، مع تغير في أساليب الغصب والإكراه، مع تغير الزمن وتطور أحواله، ولأجل هذا، دائما ما أقول وأعيد، أن الصراع اليوم، إنما هو صراع مناهج، فمن يملك القدرة على بسط نفوذ منهجه وأسلوب تفكيره، هو من يملك القدرة على السيطرة على العالم.
ونحن اليوم نرى عيانا أثار، المناهج الأخرى علينا، وعلى عقولنا، فإذا ما خالف أحدنا مناهج التفكير الغربية، إلا ورمي بالتخلف والرجعية، ونفي عنه الإتصاف بالعقل، وغيرها من الألفاظ والعبارات المستهلكة التي يتبجح بها في المجالس، ويتباهى بها على المنابر، ولعمر الله، إن أكثر الناس إتصافا بخفة العقل، هم من يتشدقون بهذه العبارات، بل إنهم ليصدرون عن جهل مركب، فلا هم يعلمون، ولا هم يدركون أنهم لا يعلمون، فتراهم مع أبسط نقاش يصبحون كمن نشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين. وقبل أيام نشرت مقالا في صحيفة "أضواء ميديا" سميته: "العرب وإسرائيل"، تكلمت فيه عن نوعين من أنواع القوة، نفتقدهما الآن، فأما إحداهما فهي القوة المادية، وأما الأخرى فهي القوة المنهجية، وقد رأيت أن أبسط الكلام في هذا المقال، عن القوة المنهجية وحدها، ومرد ذلك لسببين، الأول: هو أن القوة المادية ليست في غناء عن القوة المنهجية، بل إنها لا تقوم إلا بها، فلو امتلكت الأمة من القوة المادية وأسبابها، ما امتلكت، دون القوة المنهجية فلن تزيد على أن تكون كغثاء السيل، وأما الثاني: فلأن القوة المنهجية هي المؤدية إلى القوة المعنوية، ولهذا نجد كل أعداء هذه الأمة إنما يوجهون سهامهم إلى مناهج الأمة، فيهدمون ما أمكنهم هدمه من تاريخها بالتشكيك، ويبعدونها عن تراثها بالتنفير، ويطعنون في لسانها بالتزهيد، والغرض الباعث وراء كل هذا وغيره، هو جعلها غارقة في مستنقع التبعية، لا تملك من عنان نفسها شيئا. كنت، ولازلت، أومن بأن العقيدة الأدبية، هي في الأصل تصدر عن عقيدة دينية وعقيدة سياسية، فلا يمكن فصل المذهب الأدبي عن المذهب السياسي والمذهب الديني، والعكس بالعكس، و ذلك أن كل كلام، شعرا كان أو نثرا، إلا وفيه شيء من نفس صاحبه، وكذلك كل موقف سياسي فإنه يصدر عن توجه عقائدي، فالطرح السياسي والكلام الأدبي هما في النهاية فكر، وكل فكر إنما يقوم على معتقد ولغة، وبهذا تسقط كل الدعاوي القائمة على الأدب للأدب أو فصل الدين عن السياسة، وغيرهما من الجمل الرنانة التي تلوكها الألسن وتتلمضها الأفواه، ولهذا فإن كل نظام سياسي فإنه في الأخير هو نتاج معتقد ديني ولغوي وتاريخي، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تتقدم أمة ما، من غير أن تقوم مناهجها السياسية على مناهجها الدينية واللغوية والتاريخية، لأن تلكم المناهج في النهاية إنما هي فكر. وهذا من المعلومات بالضرورة، إلا أن أرباب الفكر وحملة الأقلام في أمتنا، إما يجهلونه أو يتجاهلونه، وبدل أن يعملوا عقلوهم ويجدوا أفكارهم، في إنتاج مناهج سياسية تليق بنا، ذهبوا يستعيرون المناهج الجاهزة التي عمل في إنتاجها الغرب ودوله، إنطلاقا من تاريخهم ودياناتهم و لغاتهم. ودعني أضرب لك مثالا على أن المناهج المتبعة عند الغرب إنما هي نتاج تاريخهم ولغتهم ومعتقداتهم، فالديمقراطية مثلا، إنما تعود إلى العصور القديمة والأزمنة الغابرة، وليست وليدة العصر الحديث، أو تطور دديد، بل تعود للعهد اليوناني، ولكن "مفكرينا" يمدحونها، بغير عقل، من حيث يذمون الأنظم السياسية التي أنتجها تاريخنا العربي الإسلامي، فيعتبرون تلك حداثة، ويعتبرون هذه رجعية، بينما هم غارقون في الرجعية لآذانهم. ومن الأمثلة أيضا، النظام الفيديرالي، فهو الأخر زمنا يعود إلى الحقب التاريخية القديمة، وكان معمولا به في العصور الخوالي، ومع ذلك لم نسمع في أمريكا دعوات هدامة تدعوا إلى تركه والإعراض عنه لعلة قدمه ، لأنه من تاريخهم ويوافق نمط عيشهم، وأساليب تدينهم وتفكيرهم، عكس (مفكرينا) فيميلون للأشياء الجاهزة. ومسألة الترابط بين ما هو أدبي وديني وسياسي، وأن كل واحدة منهما تقوم على الأخرى، فلست وحدي الذي يؤمن بها ويصرح بها، وإنما فعل ذلك اللورد كرومر، المقيم الانجليزي في مصر، وذلك في كتابه "مصر الحديثة"، حيث يقول: "فهناك فرق بين المتحررين في أوروبة ومن تطلق عليهم هذه التسمية في مصر، فأحرار التفكير الأوروبيون منسجمون مع من حولهم من المسيحيين ولا يعادونهم، بل هم لا يختلفون عنهم في أسلوب حياتهم وتفكيرهم العملي، أما الذين يسمون أنفسهم أحرار التفكير في مصر، فهم يختلفون مع بني جلدتهم من المتدينين ويحتقرونهم، ولا يدركون المدنية الغربية إلا إدراكا سطحيا"، انتهى كلام اللورد، و للأمانة العلمية، فقد نقلت الكلام عن واسطة، وهو كتاب " اإتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" للدكتور "محمد محمد حسين" رحمه الله، فانظر قول اللورد: "فأحرار التفكير الأوروبيون منسجمون مع من حولهم من المسيحيين ولا يعادونهم، بل هم لا يخنلفون عنهم في أسلوب حياتهم و تفكيرهم العملي" فهو صريح الدلالة واضع البيان في أن الغربي، مهما كان حرا ومهما إدعى من أساليب السياسة والتفكير، إلا أنه يصدر عن عقيدة دينية، و هذا ما قرره اللورد كلومر، من قبل أن أولد أو أن يولد حتى أجدادي، و ذلك في مرحلة خطيرة من تاريخ أمتنا المعاصر. ولا يكتفي اللورد بها، ولا يقف به الحال عند هذا القول، وإنما يذهب في توبيخ دعاة العلمانية والحداثة، مذهبا خطيرا، وينقم عليهم جهلهم بمقومات الحداثة الغربية والمدنية الأوروبية، فيقول: "" لم يتشربوا روح الحضارة الأوروبية ولم يدركوا إلا قشورها، وهم بذلك قد فقدوا أحسن ما في الإسلام وأحسن ما في المدنية الأوروبية"، وقد صدق وهو الكذوب، فلو كانوا حقا أدركوا معاني الحضارة الغربية، والمدنية الأوروبية، لعلموا أنها بنيت على معتقدات القوم وثقافتهم وتاريخهم، ويكفي في بيان ذلك، أن ما يسمونه "الديمقراطية" ومقوماتها، أنه منهج قديم غاية في القدم، وهذا مما يعلمه طلبة السلك الثانوي. فلو كانوا حقا، على خلاف ما وصفهم اللورد كلومر، لما هاموا هيامهم، في أساليب الحضارة الأوروبية، دون تنقيح أو نقد، ومما يؤكد الوصف الذي وصفهم به، هو أنه منذ الإستقلال ونحن نسير وفق أنظم السياسة الأوربية، ومع ذلك لم نقدم شيئا، ولم نتقدم خطوة، وكل تقدم إنما هو وهم متوهم وخيال متخيل، ومع ذلك لازال فينا من ينادي بها، فأي خطل في الرأي هذا؟؟ لقد أتى علينا نصف قرن من الزمن، ونحن نسير وفق ما تقره الديمقراطية، بأحزابها وإنتخاباتها، ولم تنتج لنا سوى، العصبية، والتي تعتبر رمزا من رموز الرجعية، فتجد كل حزب بما لديه فرح، فالذي في حكومة يطبل للحكومة، والذي في المعارضة يطبل للمعارضة، ثم ماذا؟؟ إن السبيل إلى إنشاء قوة منهجية، هو أن نقف ونعود إلى أنفسنا، ونراجع ما بين أيدينا، ونعمل عملنا ونحرص جهدنا في إنتاج مناهج سياسية واقتصادية وتعليمية، يتم استنباطها من تاريخنا وديننا ولغتنا، ونربي عليها أبنائنا، أما الإتيان بالمناهج المستوردة، فقد أثبت فشله ولم يقدم شيئا طيلة نصف قرن من الزمن. أما أنا فإنما أقول وأحكي ما أرى من حالنا وواقعنا، ولم آت بشيء من خيالي أو من المريخ، فأما العاقل فيقرأ ويفهم، ولعله ينتبه ويتعظ، وأما الجاهل فلعله يراجع نفسه، ويعيد البصر كرتين، وأما مذهبي فيهما، فهو كمثل مغربي عامي ماجن تذكرني به نفسي كلما خضت في هذه الأمور، وقد كان عندي من الكلام الذي يشبه كلام اللورد الكثير، لم أرغب في إيراده تجنبا للإطالة والإسترسال. كتبه: أيوب نصر، الأربعاء 10 جمادى الأولى 1443 (15/12/2021)
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6 كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين |
#2
|
|||
|
|||
رد: القوة المنهجية
|
#3
|
|||
|
|||
رد: القوة المنهجية
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6 كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين |
أدوات الموضوع | |
|
|