للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
رمضان هكذا وإلا فلا
رمضان هكذا وإلا فلا الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين ، وعلى آله وصحبه ، ومن سار على سبيله ونهجه ، واستن بسنته إلى يوم الدين ؛ أما بعد :
فاليوم -إن شاء الله- سيكون حديثنا عن شهر رمضان المبارك ، نسأل الله بعزته وجلاله أن يبارك لنا في شعبان ، وأن يبلغنا بفضله ومنه وكرمه شهر رمضان . ولاشك أن المؤمن أحوج ما يكون إلى أن يعرف حرمة هذا الشهر العظيم ، وهذا الركن من أركان الإسلام الذي شرعه الله -U- لكي يسلكوا سبيلا إلى أحب الأشياء إليه وأعظمها قربة وزلفى لديه ألا وهو تقوى الله ، فصيام شهر رمضان المبارك طريق إلى التقوى ، وما خرج العبد من الدنيا بشيء أحب إلى الله وأكرم على الله من تقواه ، ومن اتقى الله –U- ؛ فقد أصاب سعادة الدنيا والآخرة ، وأفلح وأنجح وربحت تجارته ، والمتقون هم أولياء الله ، والمتقون هم صفوة الله من خلقه -جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وفضله . هذا الشهر العظيم يتهيأ المؤمن بدخوله ، والقيام بحقه وحقوقه ، فيقف على آخر أعتاب شهر شعبان وهو لا يدري هل يدرك شهر الصيام أو يدركه ، ويقف وكله أمل في الله أن يبارك له في عمره ، وأن ينسئ له في أجله حتى يزاد الشهر ، حتى يزاد هذا الشهر في صحيفة عمله . يقف المؤمن اليوم وهو أحوج ما يكون إلى أن يهيئ النفس إلى هذه الكمالات والباقيات الصالحات في شهر الصيام والقيام ، وما من عبد يلتمس طاعة الله –U- ويرغب في محبته إلا فتح الله أبواب الخير في وجهه ، وما من عبد صلحت لله سريرته وزكت لله نيته أنه يريد الطاعة إلا أعانه الله ووفقه، وسدده وأرشده ؛ خاصة إذا أراد الطاعة من قلبه خالصة لوجه ربه؛ وخاصة إذا أراد الطاعة، فسلك في تطبيقها والعمل بها سبيل السنة والصواب ، واقتفى أثر رسول الله –r- وسنته في قوله وعمله ، وعبادته لربه، فسار على الصراط المستقيم، والسبيل القويم، يلتمس مرضاة ربه الحليم الرحيم . يقف المؤمن اليوم وهو أحوج ما يكون أن يعرّف بفريضة الصيام ، ومن عرف حقيقتها وعرف ما لها من حرمة حريٌّ به أن يوفق بتوفيق الله –U- للقيام بالصيام والقيام على الوجه الذي يرضي الله . والسعيد من وقف اليوم وهو يتذكر أنه مقبل على موسم من مواسم الرحمات ، وأن هذا الموسم تمنى الصالحون وابتهل المتقون أن يبلغهم الله أيامه ولياليه . فهذا رسول الأمة –r- يقف بين يدي ربه خاشعا متخشعا متضرعا يسأله فيقول : ((اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان )) كان يسأل ربه أن يبلغه رمضان ، وهذا يدل على أنه غاية، وأنه هدف منشود ، وأنه أمنية لعباد الله الصالحين . من عرف أن الصيام ركن من أركان الإسلام تقال به العثرات ، وتغفر به السيئات؛ فإنه يتمنى شهر رمضان من قلبه ، ويضرع صادقا إلى ربه، أن يزاد في صحيفة عمله شهر آخر حتى يكون أعلى لدرجته ، وأعظم في مثوبته . نريد أن نعرف ما هو الصيام ، وما هي منزلته عند الملك العلام سبحانه ذي الجلال والإكرام . نقف أمام كلمة طيبة مباركة ، أمام كلمة ما تأملها مسلم ولا نظر فيها إلا عرف فضل هذا الشهر العظيم، وعرف فضل عبادة الصيام بالخصوص ؛ يقول r : (( يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي )) . ((كل عمل ابن آدم )) ما ترك شيئا إلا جعل الله جزاءه ، ما ترك شيئا من الأعمال الصالحة إلا وعد الله –Y- الذي لا يخلف الميعاد أنه يجزي صاحبه الحسنة بعشرة أمثالها، وهذا أقل ما يكون من الجزاء ، وإلا فقد يضاعف أضعافا كثيرة لا يعلمها إلا الله –Y-، فكم من عامل ينال من عمله الحسنات التي يُبوأ بها أعالي الدرجات التي لم تخطر له على بال (( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يلقي لها بالا يكتب الله له بها إلى يوم يلقاه )) . ((الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي )) تأمل أن الله –تعالى- قال : (( إلا الصوم )) فلم يبين كم جزاءه ، وكم مثوبته ، بل بدأ قبل أن يبين المثوبة ببيان فضله وشرفه فقال : (( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) . اختلف العلماء في قوله : (( إلا الصوم فإنه لي )) فمن أهل العلم من يقول : إلا الصوم فإنه تمحض خالصا لله –Y- ، فالصلاة التي هي أفضل الأعمال يمكن أن يصليها الإنسان رياء ، ويمكن أن يصليها سمعة ، ولكن الصوم لا يمكن أن يصوم إلا لوجه الله ، لأنه يمكنه أن يتوارى عن الأنظار ، ويمكنه أن يختبئ وراء الأستار، ويمكنه أن يذوق لذته طيلة النهار، ولكنه يعلم باطلاع الملك القهار ، وأن الله يسمعه ويراه، وأنه لا تخفى عليه خافية، فتمحض مخلصا لله . (( إلا الصوم فإنه لي )) قال بعض العلماء : فإنه لي أي جزاؤه لي، وكل الجزاء من الله –I- ولكن خصه لعظيم فضله وشرفه ومكانته . (( إلا الصوم فإنه لي )) لا يستطيع الملك أن يكتب كم أجر هذا الصوم؛ لأن الأمر لله وسيأتي يوم القيامة فيرى العبد جزاءه عن صيامه عند ربه –I- . في هذا دليل على أن شرف الأعمال وعظم الجزاء فيها موقوف على التوحيد والإخلاص، وأن أصدق الناس إخلاصا وعبودية لله -Y- في صلاته وزكاته وحجه وعمرته وعبادته وجميع شأنه أرفع عند الله قدرا ، وأعظم عند الله أجرا ، نعم إنهم الذين أرادوا الله ولم يريدوا شيئا سواه ، إنهم الذين صدقوا مع الله -جل في علاه- فرفع الله قدر الصوم وأعظم جزاءه ، قال بعض العلماء : إن العبد يقف بين يدي الله تكثر عليه المظالم وتكثر عليه حقوق الناس ولكن الله يريد أن يرحمه ويريد أن يلطف به، فإذا بالمظالم والخصومات عليه كثيرة فيضاعف الله أجر صيامه حتى تقضى جميع الحقوق والمظالم ، قالوا وهذا معنى قوله : ((الصوم جنة)) أي أنه وقاية للعبد من النار ، فمظالم الناس تنتهي بالإنسان إلى النار كما في الحديث الصحيح : (( أتدرون من المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا دينار له ولا درهم ، قال إنما المفلس من يأتي يوم القيامة وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيؤخذ من حسناته على قدر مظلمته حتى إذا فنيت حسناته أُخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم أمر به فطرح في النار )) . فإذا كان الصوم يضاعف في الجزاء خلّص الله عبده بفضله، ونجاه بكرمه وجوده وإحسانه. (( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) ثم انظر وتأمل قوله : (( كل عمل ابن آدم )) كل الطاعات الحسنة بعشر أمثالها بين الله جزاءها في هاتين الجملتين: أما الصوم فشرفه الله وفضله وكرمه ورفع قدره حينما بيّن في أكثر من جملة خصائصه وفضله . (( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) ثم بين حقيقته وبين السبب الذي جعل العبد ينال هذه المنزلة ((يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ))، من ترك شيئا لله تولى الله جزاءه، ومن ترك شيئا لله تولى الله مثوبته ، ومن ترك شيئا لله تولى الله –I- الفضل والإحسان إليه في الدنيا والآخرة . إنه الصوم مدرسة المؤمنين ، إنه الصوم نزهة المتقين ، إنه الصوم مرتع الصالحين ، إنه الصوم الذي أخذ بمجامع القلوب والقوالب إلى ربها ، هذّب الأخلاق، وقوم المسلم حتى في كلامه (( فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن سابه أحد أو خاصمه أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم )) . إنه الصوم الذي زكى القلوب { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } فيقول رسول الله –r- : (( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) ثم بين في بداية الحديث أن التقوى في القلب، فقال : (( التقوى ههنا التقوى ههنا )) ويشير إلى قلبه – صلوات الله وسلامه عليه- . هذا الصوم إذا تأمله المسلم ونظر إلى حقيقته وجد أنه مدرسة إيمانية قصد من وراءه الخير الكثير، فما ضاق سبل الشيطان في شهر أعظم من شهر رمضان، ولا فتحت الرحمة على العباد في موسم أعظم من شهر رمضان ، ولا أصبح العباد ما بين مهتدٍ وهاد في مثل شهر رمضان، ولا أصبحت النفوس زكية مقبلة إلى ربها مطمئنة راضية مرضية في مثل حالها في شهر الصيام والقيام حينما تصفد الشياطين، وتفتح أبواب الجنان ، وتغلّق أبواب النيران ، وينادي منادي الرحمن : يا با غي الخير أقبل. إن الصوم مدرسة لأعظم الأشياء وأعزها وأكرمها عند الله وهو الإخلاص، ثلاثون أو تسع وعشرون يوما يصومه العبد لكي يتعلم كيف يعامل الله U ، لكي يتعلم كيف يكون عبدا لله لا لأحد سواه، ثلاثون أو تسع وعشرون يوما يعيشها المؤمن لكي يحقق معنى لا إله إلا الله ، تنقل من الغش والكذب والنفاق والرياء لكي يعامل الله وحده ، أليس باستطاعته أن يتوارى عن الناس فيأكل ويشرب ، نعم باستطاعته أن يفعل ذلك ، ولكن كلما حدثته النفس الأمارة بالسوء أن يفعل ذلك ناداها نداءً صادقا إني أخاف الله رب العالمين . تعلمه هذه الأيام أن يترك الرياء، أن يترك النفاق، أن يترك الغش والكذب ، وأن يخلص لوجه ربه . ثلاثون أو تسع وعشرون يوما تمر على العبد تهذب أخلاقه، وتقوم سبيله، وتصحح طريقه لله –Y- ، فهو إذا امتنع من الأكل والشرب والشهوة في شيء أحله الله له ، إذا امتنع من الأكل والشرب في شيء ملّكه الله إياه حلالا طيبا حري به أن لا يأكل الحرام ، وحري به أن لا يمد يده إلى ما حرّمه الله عليه ، فمن ترك طعامه لوجه الله وهو قادر على أن يطعم حريٌّ به أن يترك طعام غيره فلا يأكل أموال اليتامى، ولا يأكل أموال الأرامل والثكالى، ولا يأكل الربا ، ولا يأكل الأمور المحرمة عليه ، وإذا امتنع عن شرابه الطيب المباح حري به أن لا يقذف في جوفه شرابا حرّمه الله عليه ، وحري به أن لا يضع في فمه لقمة إلا وهو يضع الجنة والنار بين عينيه، لكي يعلم هل هي حلال فيأكلها أو حرام فيجتنبها . (( يدع طعامه وشرابه من أجلي )): تجوع الأمعاء وتظمأ الأحشاء في مرضاة الله –Y-، تمر على الإنسان ساعات النهار لكي تذكّره بالأكباد الجائعة، وبالأحشاء الظامئة ، إنها تذكرك بجروح المسلمين وآلامهم وأسقامهم وكوارثهم ، تذكّره بالضعفاء والبؤساء والفقراء والمعوزين والمنكوبين، فيا له من شهر يذكّر بفجائع المسلمين ، ويذكّر بجراحاتهم وآلامهم حينما يحرّك النفس المؤمنة المطمئنة أن تتذكّر حال إخوانها ممن لا يملك قليلا ولا كثيرا ، ولذلك لا يلبث المسلم إذا كان صادقاً في إسلامه، ولا يلبث المسلم إذا كان قويا في إيمانه إلا أن يتفطر قلبه وفؤاده على كل مؤمن تراه في نكبة، لأنها تتحرك في قلبه بواعث الرحمة ، ولذلك يقول r كما في الصحيح : (( إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة )) ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء كما في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام ، فتحت أبواب الرحمة فيتراحم المسلمون ، يرحم الأغنياء الفقراء ، ويرحم الأقوياء الضعفاء . يتذكّر المسلم في تلك الأيام الطيبة حاجة إخوانه ، من الناس من إذا جاع في أيام رمضان الأول لا يتمالك أن يأخذ من حُرّ ماله ما يكف به النار عن وجهه يوم القيامة . من الناس من إذا طرقه رمضان حرّكه لكي يكفكف دموع اليتامى ، ويجبر قلوب الأرامل والثكالى ، لا يتمالك نفسه، ويدل على ذلك حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- في الصحيح قال t : (( كان رسول الله –r- -وإذا قال الصحابي كان رسول الله –r- فقد صدق وبر ، وإذا قال قال رسول الله –r- فقد صدق وبر فهنيئا لعين رأت وهنيئا لأذن سمعت ، وهنيئا لألسن تكلمت ونطقت - كان رسول الله –r- تدل على الدوام والاستمرار ، وأنه أكثر من شهر من رمضان ، وأنه كان شأنه وحاله في رمضان كذلك ، كان رسول الله –r- في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة )) r ما سئل شيئا إلا أعطاه ، يقول : يا أبا ذر، أترى أحدا –انظر إلى جبل أحد أكثر من أربع كيلو مترات- أتُرى أحدا فنظر إلى أحد قال: ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا تمسي علي ثالثة أو رابعة وعندي منه دينار أو درهم - صلوات الله وسلامه عليه - يقول ابن عباس –رضي الله عنهما- : (( كان رسول الله –r- أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون إذا كان في رمضان )) . فتفتح أبواب الرحمة لأن المؤتسين برسول الله –r- وأصحاب القلوب الرحيمة تستجيب لربها وتصدق بوعده وموعوده –I- ، ولذلك سميت الصدقة صدقة؛ لأنها تدل على صدق الإيمان ، وتدل على تصديق بوعد الرحمن ، فلا يتصدق إلا المصدّقون الصادقون في إيمانهم - جعلنا الله وإياكم منهم - كيف يتعب الإنسان على جمع ماله فيتصبب عرقه ويتعب ويكدح حتى يجني الدنانير والدراهم ، فإذا نظر إلى عورة من عورات المسلمين انكشفت، أو جروح نزفت، أو آهات أو صيحات من أرامل المسلمين ومن أيتامهم ومن ضعفائهم جاءه الشيطان فوعده الفقر وقال له : كيف تنفق هذا المال فقد سهرت وتعبت ونصبت ، كيف تعطي المال وقد فعلت وفعلت ، فإذا به يتذكر أن الذي أعطاه هو الله ، وأن الذي يخلف عليه هو الله ، وأنه ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما : (( اللهم أعط منفقا خلفا ))، فلا يملك نفسه حتى يأخذ ذلك المال ويعطيه لكي يسد حاجة أخيه ، ويدخل السرور على الحزين ، ويجبر كسر المكسور بإذن الله –Y- فيكون ذلك من أصدق ما يكون إيمانا وعبودية لله –Y- ، ولذلك ما كف الله النار عن وجه العبد بشيء مثل الصدقة ، فقال r : (( اتقوا النار ولو بشق تمرة )) الله أكبر شق تمرة قد يحجب الإنسان عن النار ، الصدقة القليلة قد تحرّم العبد عن النار ، قال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح : دخلت امرأة على عائشة –رضي الله عنها- ومعها طفلتان فاستطعمتها فأعطتها ثلاث تمرات فأعطت كل صبية تمرة ثم أخذت التمرة الثالثة تريد أن تأكلها الأم المسكينة الحاملة المتعبة المنهكة المحتاجة الذي أصابها ذل المسألة أخذت التمرة الثالثة تريد أن تأكلها فاستطعمتها إحدى البنتين يعني أكلت البنت تمرتها ثم جاءت على تمرة أمها فاستطعمتها إحدى البنتين تمرتها فأطعمتها إياه فعجبت عائشة –رضي الله عنها- من صنيعها فلما دخل رسول الله –r- أخبرته، فنزل الوحي على رسول الله –r- من أجل تمرة لكنها صدقة ممن صدّق وصدَق في إيمانه ويقين فنزل جبريل من أجل تمرة لكي يقول رسول الله –r- : (( أتعجبين مما صنعت إن الله حرمها على النار بتمرتها تلك )) . فيعيش المؤمن في شهر الصيام بواعث الخير والإحسان لإخوانه المسلمين ، يتذكر المحتاجين، يتذكر المعسرين، ويرجو من الله أن يجعله باب خير فيقضي دين المديون، ويكفكف دموع اليتامى ويجبر قلوب الأرامل والثكالى . مدرسة في شهر الصيام للجود والسخاء ، ألا ليت شعري من هو السعيد الموفق المرحوم بإذن الله ، من مرت عليه أيام رمضان فصدق فيها مع الله في جوده وسخائه ، فكفل الأيتام، كفل الأرامل وغيره من المحتاجين والمواسين وواساهم ، من هو الموفق السعيد الذي بحث في شهر رمضان عن الفقراء في قرابته ولحمته ونسبه ، بل حتى ولو لم يكونوا فقراء فكانت عليهم ديون فسدد ديونهم، وقضى حوائجهم فوصل رحمه، واتقى ربه وابتغى ما عند الله ، هنيئا ثم هنيئا لمن صام لله، وعرف ماذا يريد الله من صيامه ، نعم لم تجع الأحشاء ، لم تجع الأمعاء ولم تظمأ الأحشاء لكي يؤدي الإنسان هذه العبادة مجردة، فيدخل شهر رمضان وإذا به من أغفل الناس حتى عن جارهم الفقير –نسأل الله السلامة والعافية- بل من منهم من يقيم الولائم ولا يلتفت لأقرب الناس إليه ، والمحروم من حرم ، اللهم لا تجعلنا محرومين من رحمتك . هذا الشهر الكريم مدرسة للصبر، والصبر من أعلى مراتب العبودية لله ، أحب الله الصابرين ووعدهم بمعيّته فقال : { والله يحب الصابرين } وقال سبحانه : { إن الله مع الصابرين } وبين فضلهم وشرفهم وعلو درجتهم فقال : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } وبغير حساب من الله ليست بالهينة ، ولذلك ليس هناك أقوى من المؤمن إذا قوّاه الله بالصبر حتى قال عمر -رضي الله عنه وأرضاه- : وجدنا ألذ عيشنا بالصبر ، فالصابرون هم أحباب الله ، فالصابرون هم أولياء الله ، وإذا أراد الله بعبده خيرا ابتلاه لكي يصبر ويحتسب الأجر عند الله –Y- ، فكم من منكوب في نفسه وجسده بالآلام والأمراض والأسقام لا يشتكي إلا إلى ربه ، وكم من مكلوم في زوجه وأهله وولده يمسي ويصبح على فجائع تروّع القلوب في أولاده وأطفاله ، وكم من مكروب منكوب مبتلى في رزقه وعيشه فلا يطلب مالا ولا يريد عملا إلا قفل في وجهه ، وكم وكم من أناس إذا صدقوا مع الله صدق الله معهم ، ولن يصدقوا بشيء أعظم من الصبر ، الصبر روح من الله -Y- يؤيد بها أولياءه ، ولا يعطي الله الصبر إلا لمن يريد به خير الدنيا والآخرة . بالصبر اتسع الضيق بإذن الله –Y- ، وبالصبر عادت الأحزان والأشجان أفراحا بإذن الله –Y- ، بالصبر قويت شكيمة المؤمن وقويت عزيمته؛ لأنه يعلم أن الله معه ، وأن الله لن يخذله ، ولذلك كان علي -t- يقول : ألا وإن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الروح من الجسد ، ألا لا إيمان لمن لا صبر له ، ألا لا إيمان لمن لا صبر له)) فيقول r : يسلي الصابرين بما لهم عند رب العالمين ((ومن يصبر يصبره الله )) وإذا بها ثلاثون يوما أو تسع وعشرون يعلم الإنسان هذه الخصلة الشريفة العزيزة المنيفة التي يصلب بها عوده أمام شدائد الدهر والنكبات والفجائع ، يعلّم كيف يصبر حتى يخرج من رمضان فإذا رأى المكروب قال الحمد لله على كل حال ، ونعوذ بالله من حال أهل النار . يصوم العبد المؤمن لكي يعلّم الصبر ، ولذلك سمي شهر رمضان بشهر الصبر ، وكان جزاء رمضان عظيما؛ لأنه يقوم على الصبر ، ففيه الصبر عن معصية الله ، وفيه الصبر فلا يغتاب ولا يسخط ولا يجهل ، وفيه الصبر على طاعة الله –Y- وهذا من أعلى المراتب وأحبها إلى الله –I- . فرمضان مدرسة يعلّم الإنسان من خلالها كيف يصبر ، وما صبر على شدائد الدنيا وفتنها ومحنها مثل المؤمنين ، ولا ثبت أمام النكبات والملمات أهل دين أعظم من ثبات أهل الإسلام ، ولا قويت شكيمة أمة أعظم من شكيمة أمة الإسلام ، فليس هذا بضرب من الكلام الذي لا حقيقة له ، فمن قرأ التاريخ أدرك أنها أمة صابرة ، وأنها أمة معلمة من ربها لا تحتاج لأحد أن يعلمها ، وأنها أمة زكت وزكاها مولاها حينما جعلها خير أمة أخرجت للناس ، ولن تجد عبدا يبوأ في هذه الدنيا مبوأ صدق فترتفع مكانته وتعلو منزلته ويحبه ربه بشيء أعظم من الصبر ، إنه الثمن الذي يدفعه الإنسان لكي ينال سلعة الله الغالية بفضله ورحمته سبحانه ، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة ، دخلها الصابرون وارتفعت الدرجات فيها للصابرين ، والملائكة يدخلون على أهل الجنة من كل باب {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } وقال الله عن أهل الصبر : { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور } فنسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يفرغ علينا صبرا، وأن يثبت أقدامنا وأن ينصرنا على القوم الظالمين. يعيش المسلمون أيام رمضان لكي يعلّم هذه الأخلاق الفاضلة ، ويتربوا على هذه المعاني السامية ، يعلم المسلم الصبر بملامح جميلة جليلة أجمل ما تجد وأكمل ما تجد تعليما حينما تنظر إلى شرائع الإسلام ، ولا ينبؤك مثل خبير ، والله سبحانه هو الذي يعلّم وهو الذي يهدي –I- ، فعلم آدم الأسماء وعلم داود وفهم سليمان ، علم العلماء وعلم الأنبياء -I- ، هذا التعليم تجد في شرائع الإسلام الصبر في شريعة الصوم في مقامات جميلة ، الصابر أحوج ما يحتاج إليه أن يستشعر حسن العاقبة ، وأن بعد العسر اليسر ، وأن بعد الشدة الرخاء ، وأن بعد الضيق السعة ، وأن لكل شيء قدرا ، لا يستطيع أن يزيد على قدره ، تأمل رحمك الله ساعات الصوم يبتدئ في أول اليوم من فجره وجعل الله ابتداء الفجر في ساعة الغالب فيها الجو على أحسن وأفضل ما يكون ، ثم يشتد النهار حتى يبلغ الذروة ، فإذا كانت أيام الصوم في شدة الصيف والحر والقر أصاب الإنسان من التعب والنصب والجهد ما لا يعلمه إلا الله –U- ، فمعناه أن كل كربة تأتيه فتشتد وتصل إلى أعلى درجة، وإلى الغاية التي جعلها الله بقدرته وعظمته لن تستطيع أن تجاوزها ، فمهما كان عليك من ضيق ومن شدة ومن بلاء وكربة فلن يستطيع أن يجاوز أمرا حده الله -Y- ، فيصل الإنسان إلى أقصى النهار فيشتد ظمؤه ويشتد نصبه فتأتي الرحمة من الله فتنكسر وهيج الشمس وتنكسر شدة النهار ثم بعد ذلك لا يصل قبل المغرب إلا وقد بلغت الروح ما بلغت ، خاصة إذا كان صاحب عمل وخاصة إذا كان سحوره قليلا وخاصة في أيام الشدة والضعف فلا يصل إلى آخر النهار إلا وقد ضاقت عليه نفسه ضيقا طبيعيا جبليا بشريا ، لكنها ما تضيق مع الإيمان ، فهو ثلاثون يوم أو تسع وعشرون يوم كل يوم يصل إلى شدة ثم إذا به قد غابت عليه شمسه وأصاب فطوره، فذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله . الثلاثون يوم أو تسعة وعشرين يوم بعض الخبراء في النفوس وطبائع النفوس أن الإنسان إذا أمضى لو عشرين يوم على حالة يتعلم منها ، فما بالك إذا مر عليه شهر كامل تصبح النفس على يقين أنه إذا اشتد الكرب فبعده الفرج ، وأنه إذا ضاقت الأمور فإن الله يوسّعه، فإن الله –Y- سيأتي بالفرج من عنده . ثم تأمل رحمك الله تلك المدرسة الجميلة الجليلة في عبادة الصوم من تراحم المسلمين وتوادّهم وتعاطفهم ، تأمل رحمك الله عبادة الصوم من بدايتها إلى نهايتها، فأنت تنتقل إلى من مَعْلم إلى مَعْلم ، ومن مشهد إلى مشهد ، ومن مدرسة إلى مدرسة تزيد في إيمانك وتثبتك في جنانك وتدلك على عظمة هذا الرب –I- . الله أكبر إذا وقف الناس عند غروب الشمس فدنت الشمس من الغروب، وحانت ساعة الإفطار ، تلك الساعة التي يربح فيها المتاجرون الصادقون المؤمنون، ويخيب عندها المفطرون المضيعون المحرومون -والعياذ بالله-. يقف الناس في آخر النهار عند دنو الشمس لمغيبها وإذا بالإنسان جميع ما مر عليه من التعب والنصب كأنه لا يشعر به ، وهذه سمة وعلامة في طاعة الله كلها ، فلن تتعب في طاعة ولن تنصب في طاعة إلا وقفت في آخرها محمود العاقبة ، والعاقبة للمتقين ، والعاقبة للتقوى ، شهد الله أنه ما من عبد يطيعه إلا جعل الله له العاقبة الحميدة ، ولذلك المرد الجميل والمخرج الجميل والمآل الجليل لا يكون إلا بفضل الله ثم بالطاعة ، ومن هنا أطبق الحكماء والعقلاء على أنه ليست العبرة بالبدايات وإنها العبرة بالنهايات ، ولذلك جعل الله الحكمة في النظر إلى آخر الشيء { أفلا يتدبرون القرآن } التدبر ما هو ؟ دبر الشيء آخره فجعل الله الحكمة في النظر للعواقب ، ومن هنا تجد سمة عجيبة أن الإنسان لا ينظر إلى البداية، ولا ينظر إلى الحالة الذي هو فيه، ولكن يسأل نفسه إلى أي شيء ينتهي ، وإلى أي شيء ينقضي . وكأن شيئا لم يكن إذا انقضى وما مر مما مضى فقد مضى فإذا كنت بهذه النفس تستشعر دائما في أي طاعة أنك ستؤول إلى رحمة الله وإلى عفو الله وإلى مغفرة الله لن تبال بأي شيء تناله في سبيل ذلك ، ومن هنا تتربى النفس على هذه القوة المستمدة من اليقين بالله -Y- وهي التي ثبت بها أهل الثبات -جعلنا الله وإياكم منهم إلى الممات - وبها رابط المرابطون ، وثبت المجدون ونالوا بها مرضاة الله في الدنيا والآخرة ، في شهر الصيام ينبغي للمسلم أن يحرص على أن يؤدي عبادته على أكمل وأفضل وأجمل ما يكون عليه الأداء ، فيسرّ في قرارة نفسه أنه عاقد العزم بإذن الله على أن يصوم صيام رسول الله -r- ، فيمتنع عن طعامه وشرابه وشهوته ، ويبتعد عن كل شيء ينقص أجره في الصيام ، ويلتمس كل شيء يزيد من أجره عند الله -Y- ، ساعات قليلة، أياما معدودات يقول الله –Y- ولكنها فاضلات كاملات عظيمة الأجر عند الله -I- وهل هناك مثوبة أعظم من تكف بها النار عنك ، لاشك أنها أعظم مثوبة {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز }، ففيها أعظم نعمة تكون سببا للفوز بإذن الله –U- .وذكر بعض العلماء في قول النبي –r- : (( الصيام جنة )) أن العبد إذا جاز على النار نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها وأن يسلمنا وإياكم منها فإن الله يجعل الصوم جنة له فكل من عبث في صومه وأضاع حق ربه لم يأمن أن تخدشه النار على قدر تفريطه وتضييعه ، فالذين يضيّعون صيام رمضان سيكون لهم من كلاليب النار، وسيكون لهم من بلائها على قدر ما ضيعوا إلا أن يرحمهم الله برحمته ، ولذلك ينبغي للمسلم أن يدخل شهر رمضان عاقدا العزم على أن يصوم صيام رسول الله –r- ، فلا يرضى بأداء الحق فقط ، بل يسعى إلى الأكمل والأفضل . الصائم ونعم الصائم الذي صام لله قلباً وقالباً ، صام لله في قلبه فلم يدخله الشحناء ولا البغضاء ولا الحقد على المسلمين ، ولا سوء الظن بهم ، ولا التهمة ، صام لله قلبا حينما أخلص لله وأراد ما عند الله وابتغى وجه الله يتمنى أن صيامه بينه وبين الله لا يعلم به أحد، صام لله قالبا حينما امتنع عما أمر بالامتناع عنه ، سواء كان من الأمور التي تتعلق بمطعمه أو مشربه أو شهوته ، ولذلك تجده أعف الناس لساناً وأعف الناس جارحةً ، وأبعدهم عما لا يرضي الله وأكثرهم صيانةً في حدود الله ومحارم الله ، فإذا أردت أن يعظم أجرك وأن يثقل ميزانك تتحرى السنة . من هدي رسول الله –r- تبييت النية في الليل قال r : (( من لم يبيت النية في الليل فلا صوم له )) . ومن هدي رسول الله –r- الحرص على السحور قال r : (( تسحروا فإن في السحور بركة )). والفرق بيننا وبين أهل الكتاب طعمة السحر ، فيحرص على أن يتسحر ، وأن يصيب السنة وهدي رسول الله –r- ، وأن يحرص على أداء صلاة الفجر مع الجماعة ، وأن يحرص على الكمالات والجلوس للإشراق إن أمكن ، وأن يحرص على الضحى وصلاة الضحى وأذكار الصباح فيستفتح يومه بالربح والفلاح والصلاح ومناجاة الله –Y- ، ثم ينطلق إلى عمله طيّب النفس منشرح الصدر يخاف أن يظلم مسلما أو يؤذي مسلما أو يتعرض لأحد بسوء، فلا يشتم ولا يسخط ولا يجهل ، فإذا تسلط عليه أحد بالسوء فسابه أو شاتمه أو قاتله قال : إني صائم، إني صائم ، قال بعض العلماء في قوله –عليه الصلاة والسلام- : (( فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم )) قالوا فليقل لنفسه لا تجيبي هذا فإني امرؤ صائم ومعناه أن الصوم يمنع من مجاراة الجهال في جهلهم ويمنع الإنسان عن أن يتلبس باللغط والسخط ، بل هو على أفضل وأكمل ما يكون عليه المتكلم، يحرص على ذكر الله فتجده دائم الاستغفار والتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير وغير ذلك من ذكر الله ، يحرص على أن يؤدي السنن والرغائب والفضائل على الوجه الذي يرضي الله –I- ، رحيما بأهله رحيما ببيته يعلم أبناءه وصغاره يعوّدهم على الصوم ويتفقد أولاده في البيت في هذه الفريضة، فيعينهم على الصوم ويوقظهم للسحور ويتابعهم، ويحفظ لهم صومهم، فإذا رأى خللا أو فسادا أصلحه، وإذا رأى خطأ صوبه ، فيكون أبا على أكمل ما يكون عليه الأب الصالح ، ويرسم لأولاده وأهله وحبه وزوجه ومن تحت رعايته من الموظفين والعُمّال المثال الفاضل حينما يرونه في شهر الصيام مقبلا على ربه على أحسن وأفضل ما يكون عليه الإقبال . كذلك أيضا إذا دنا آخر يومه اشتغل بذكر الله –U- قبل فطوره ، وهيأ نفسه لرحمة الله ، فإن العبد إذا صام لوجه الله كانت له فرحتان : فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه ، وقد أخبر النبي –r- عن هذه الفرحة عند لقاء الله –U- فقال : (( للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه )) . تأمل قوله : (( فرحة عند لقاء ربه )) أولا أنه قال : فرحة وهذه في لسان العرب نكرة تدل على أنها فرحة كبيرة ، وإذا قيل: فرحة وفرح ليس كقولهم الفرحة أو الفرح بل جاءت بصفة دالة على أنها فرحة قد بلغت غاية الفرحة ونهايته - فنسأل الله بعزته وجلاله أن يجعل لنا ولكم أوفر الحظ والنصيب -. فرحة بين يدي ربه عند لقاء ربه ، فإذا حزن الناس يوم الحزن فرح الصائمون، وإذا أصاب السوء الناس يوم المساءة يوم يقوم الناس لرب العالمين وجد الصائم الإحسان من ربه . (( فرحة عند لقاء ربه )) وما حمل العبد هما ولا غما ولا كربا أعظم من الوقوف بين يدي الله –Y- . قد آلم القلب أني جاهل مالي وأن ذلك مخبوء إلى يوم اللقا عند الإله أراض هو أم قالي ومقفول عليه بأقفال اللهم ارحم في موقف العرض عليك ذل مقامنا ، ونسأل الله أن يرحم ذل مقامنا بين يديك ، فأخبر r أن الصائم بين يدي الله في فرحة ، وأنه يجد الفرحة أحوج مما يحتاج إليها يوم يقوم الناس لرب العالمين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ذهبت الأفراح وأسبابها ولم يبق إلا فرح واحد هو الذي يأذن به رب العالمين ، ومن هنا يستبشر وهو يقرّب فطوره بعاجل الفرحة التي تذكره بالفرحة العظمى عند لقاء الله –Y- ، فلا يملك عند فطره من أن يلهج بالدعاء بربه أن ينجّيه في آخرته، وأن يتمم له تلك الفرحة في موقفه بين يدي ربه ، يقف الصائم متأسيا برسول الله –r- بالدعاء عند آخر يومه فيدعو لنفسه ويحرص على الكمال في الدعاء . أولاً : تقف لا تستشعر أن لك فضل على الله فالفضل كله لله ، تأمل أن الله قادر أن يبتلينا بمرض يحول بيننا وبين الصوم ، فالله على كل شيء قدير ، من الذي متّعك بالصحة والعافية ، ثم من الذي هداك لهذه العبادة ودلّك عليها ، ثم من الذي وفقك وشرح صدرك وجعلك من أهلها ، ثم ثم تذكر نعم الله فلا تلبث أن تلهج بالثناء على الله حامدا شاكرا له على فضله ، فإذا انتهيت من حمده وشكره تذللت بين يديه تسأله من فواتح الرحمة وخيراتها وبركاتها عليك في دينك ودنياك وآخرتك ، فالصائم دعوته لا ترد عند فطره ، فهي ساعة ساعة رحمة، يذكر المسلم فيها نفسه وأهله وولده ووالديه ومن له حق عليه والمسلمين والمسلمات، فإذا دنت ساعة الغروب أقبل الرابحون الصائمون المفلحون على ربهم بالدعوات الصادقة، أقبل الرحماء فذكروا إخوانهم المسلمين بصالح الدعوات فعجل بالابتهال إلى الله –I- فإذا أفطر التمس السنة في فطره ، فعجل الفطر كما ثبت في الحديث عن النبي –r- : (( أن أحب العباد إلى الله أعجلهم فطرا )) وكان هذا من هديه عليه الصلاة والسلام ، وتحرى السنة فلا يفطر إلا بعد أن يتأكد من الغروب ، يصون دينه يصون عبادته، يبتعد عن تتبع الرخص وعن التساهل في أمور الدين، صبرت الساعات ألا يصبر ثواني معدودات ، صبرت الساعات ألا يصبر دقائق قليلة، فيكون على أكمل وأفضل ما يكون عليه المؤدي لعبادته ، ثم إذا وفقه الله لإتمام صومه وحمد الله وشكره وصلى صلاته وأصاب طعامه حمد الله –Y- الذي أطعمه وسقاه وكفاه وآواه ، وإن استطاع أن ينال الأفضل باتباع السنة فيفطّر إخوانه الجائعين ، ويرحم البؤساء والمحتاجين ، فيقوم على فطرهم والإحسان إليهم فهذا أعظم في أجره وأثقل في ميزانه ، فإذا صلى العشاء تحرى السنة والحرص على إحياء ليالي رمضان ، واجتهد بأن يقوم الليل وأن يصدق مع الله في ابتهاله وصلواته ، فيأتي إلى عبادة الليل وهي القيام وبعد أن فرغ من عبادة النهار والصيام أقبل على عبادة القيام ، استشعر حديث رسول الله –r- : (( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه )) فيرجو من الله أن يغفر ذنبه ، وأن يجعله من عتقائه من النار ، فكم من قائم أصبح كيوم ولدته أمه بلا ذنب ولا خطيئة ، فقيام رمضان من الفضائل والرغائب التي حرص عليها رسول الله -r- ، فإذا أراد أن يقوم حرص أولا على الإخلاص ، يقوم في مسجده يتمنى أن أحدا لم يطلع على صلاته ، فلا يقوم رياء ولا سمعة، ولا من أجل أن تراه الناس ، يصلي بالليل، وإنما يقوم لله وفي الله وابتغاء ما عند الله –U- ، وإذا كان إيمانا حرص على استشعار نعمة الله –U- الذي فضله وشرفه وقدمه ، فحرص على أن يخلص لله في قراءته ، ويعطي كتاب الله –U- الحظ الأوفر من ضبطه وإتقانه وصيانته ، يبكي لوعده ووعيده، وتخويفه وتهديده ، يبكي من قرارة قلبه صادقا لا كاذبا ، مخلصا لا مرائيا ولا مصنّعا ، ثم يحبر كتاب الله تحبيرا ، يرجو من الله أجرا كثيرا ، لا يريد كثرة المصلين ولا يريد شعبية وراءه ولا يريد أن تسجل قراءته ، ولا يريد أن تنتشر ، يتمنى أن هذه القراءة بينه وبين الله يتمنى أن تفتح لها أبواب السماوات ، فإذا خرج بهذا القلب التقي النقي السوي الرضي جعل الله لقراءته الأثر والبركة والخير ، وأثر فيمن يسمع قراءته ، وكان مباركا على نفسه وعلى من يصلي بهم ، واتقى الله –U- في تقدّمه على إخوانه لكي ينال بهم أعالي المراتب ، فهو إمامهم وهو المقدم، وقد ائتمنوا على أعز شيء من دينهم بعد التوحيد وهو الصلاة ، فيتقي الله ويستحي من الله –Y- ويخرج من بيته من أجل أن يزين قراءته لفلان وعلان ، يستحي من الله –Y- أن يضيع حرمة كتابه فيتلو الكتاب للناس لا لرب الجنة والناس ، يستحي من الله أن يتقعر ويتشدق في كتاب الله -Y- يلتمس أن يصنّع به ويقال فلان قارئ يخاف من الله –Y- أشد الخوف فيخشى من الله في ذلك ويسأل الله أن يعيذه من الفتن حتى إذا دخل محرابه دخل دخول الخاشعين ، دخل وكأنه يرى رسول الله –r- أمامه يصلي فيقرأ كقراءته ويخشع في قراءته وركوعه وسجوده ويسجد كسجوده ويركع كركوعه ، عندها يكون أعظم الناس أجرا وأكملهم طاعة لله وبرا بالتأسي بالسنة والبعد عن الرياء وعن الأمور المحدثة ، وإذا جاء يقنت في دعائه ووتره حرص أولا في صلاته على التخفيف على الناس وتحبيب الناس في عبادتهم ، عليه أن يستشعر من هم هؤلاء الناس الذين تركوا أعمالهم وتركوا الدنيا وجاءوا يصلون بين يدي الله –Y- ، تستشعر أن فيهم المريض وفيهم السقيم وفيهم الكبير وفيهم الشيخ وفيهم الهرم وفيهم صاحب الحاجة فيحببهم في الطاعة لا يبغضهم فيها ، ويحببهم في الصلاة ولا ينفّرهم منها ، يخاف من الله يقول: يا رب لا تجعلني منفرا ، اللهم اجعلني مبشرا ميسرا لا منفرا ولا معسرا ، فيضرع إلى الله من الحول والقوة ، ويسأل الله المدد والتوفيق ، فيأتي في إمامته على أفضل وأكمل ما تكون عليه الإمام ، فإذا قنت قنت صادقا من قلبه، واختار جوامع الدعاء بلا إطالة ولا تكلف ولا تشدق، وإنما التمس السنة وهدي النبي –r- ، إذا جاء يدعو بحث في سنة النبي –r- الصحيحة؛ لماذا كان يدعو رسول الله –r- ؛ لأن هذه هي النصيحة للأمة ، ونصيحة للسنة ولرسول الله –r- ، ما يأتي بشيء من عنده ، يأتي إماما على أكمل ما يكون عليه الإمام ، فدعا بكلمات طيبات مباركات يعلم معناها، ويستشعر دلالتها ويتأسى برسول الله –r- في دعائها ، ثم إذا كان المسلم في قيامه حرص على اتباع هدي النبي –r- بتدبر القرآن، وتفهمه ؛ فإن الله ما أنزل القرآن إلا للتدبر { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } فيحرص على تدبر القرآن ، أعظم الناس أجرا في القرآن من تدبره ، وأعظم الناس أجرا في القرآن من خشع من تلاوته، فخشع لله قلبه، وذرفت من خشية الله عيناه ، فيحرص على أن يتأثر بالقرآن ، إذا كنت مأموما تهيئ من نفسك أن الله يكلمك بهذا القرآن، يخاطبك بهذا القرآن، وهو كلام الله –Y- تستشعر أن الله يأمرك وأن الله ينهاك، وأن كلام الله موجه إليك ، أنت المعني حينما يقال لك: أقم الصلاة، وأنت المعني حينما يقال لك : اتق الله وأنت المعني حينما تؤمر بحق الله في توحيده وتؤمر بحق الله في صلاته والزكاة والصوم والحج وهكذا بقية شرائع الإسلام . |
#2
|
|||
|
|||
جزااااااااااااااااك الله كل خير فى ميذان حسناتك
|
#3
|
|||
|
|||
|
#4
|
|||
|
|||
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
__________________
قـلــت : [LIST][*]من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )). [*]ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )). [*]ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )). [*]ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ). [/LIST]
|
#5
|
|||
|
|||
رد: رمضان هكذا وإلا فلا
__________________
قـلــت : [LIST][*]من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )). [*]ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )). [*]ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )). [*]ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ). [/LIST]
|
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
فوائد من طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم | معاوية فهمي إبراهيم مصطفى | قسم السيرة النبوية | 1 | 2020-03-10 11:23 AM |