للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
ألم تر إلي ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا(181)
ألم تر إلي ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا(181)
هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في مطلع النصف الثاني من سورة الفرقان, وهي سورة مكية, وآياتها سبع وسبعون(77) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بتعظيم الله وتمجيده, لإنزاله القرآن الكريم علي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وجعله فارقا بين الحق والباطل, ونذيرا للعالمين. ويدور المحور الرئيسي لسورة الفرقان حول قضية العقيدة الإسلامية القائمة علي الإيمان بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وعلي التوحيد الخالص لله ـ تعالي ـ وتنزيهه ـ سبحانه وتعالي ـ عن كل وصف لا يليق بجلاله من مثل ادعاء الشريك, أو الشبيه, أو المنازع, أو الصاحبة والولد, لأن هذه كلها من صفات المخلوقين, والله ـ الخالق منزه عن جميع صفات خلقه, فلا يحده أي من المكان أو الزمان لأنهما من إبداعه وصنعته, ولا يشكله أي من المادة أو الطاقة لأنهما من إيجاده وخلقه, والمخلوق لا يحد خالقه أبدا, والمصنوع لا يحكم صانعه أبدا..!! ولذلك تبدأ هذه السورة المباركة باستنكار شرك المشركين, وذلك بقول ربنا ـ عز من قائل ـ: تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا* الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا*واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا* (الفرقان:1 ـ3). كذلك تنعي سورة الفرقان علي هؤلاء المشركين والكفار ـ من القدامي والمعاصرين ـ كفرهم برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وتشكيكهم في بعثته الشريفة, وفي الوحي الذي أتاه الله إياه, وفي ذلك تقول: وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا* وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا* قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما* ( الفرقان:4 ـ6). وتنعي السورة الكريمة علي هؤلاء الكفار والمشركين كذلك, تطاولهم علي أشرف الأنبياء وسيد المرسلين واتهامهم له بالسحر( شرفه الله تعالي عن ذلك), وإنكارهم للآخرة, ومطالبتهم للرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) بالمعجزات والخوارق حتي يصدقوه ويؤمنوا بما جاء به, وتتوعدهم الآيات بعذاب الآخرة فتقول: بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا* إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا* وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا* لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا* ( الفرقان:11 ـ14). وتقارن الآيات في سورة الفرقان بين عذاب الكفار والمشركين في نار جهنم, وبين نعيم المتقين في جنات الخلد, كما تصف تخلي الذين أشركوا عن الذين أشركوا يوم الحساب وتنصلهم من شركهم تنصلا كاملا. ومن قبيل التخفيف عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ تقرر الآيات أن جميع من سبقوه من الأنبياء والمرسلين كان لهم أعداء من مجرمي الكفار والمشركين, الذين تطاولوا علي الله العظيم وعلي رسوله الكريم, واعترضوا علي تنزل القرآن منجما( أي مفرقا), وكانت جميع الكتب السابقة قد أنزلت جملة واحدة, وفي ذلك تقول الآيات: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفي بربك هاديا ونصيرا* وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا* ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا*( الفرقان:31 ـ33). وعرضت سورة الفرقان لقصص عدد من الأنبياء ولتفاعل أممهم معهم, ولما كان لهذا التفاعل من عقاب أو ثواب, وكان من هؤلاء قوم موسي وهارون( علي نبينا وعليهما من الله السلام), وأقوام كل من نبي الله نوح ولوط( عليهما السلام), وكل من أقوام عاد وثمود وفرعون وأصحاب الرس, وأقوام بين هؤلاء جميعا علي مر العصور. وتؤكد السورة الكريمة عبادة كل من الكفار والمشركين لأهوائهم واتخاذها أربابا من دون الله, وعدم استماعهم الي صوت الحق, وفي ذلك تقول: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا* أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا*.( الفرقان:43 ـ44). وتستمر سورة الفرقان لتستعرض عددا من الآيات الكونية التي تستدل بها علي حقيقة الألوهية, وعلي صدق نبوة النبي والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم), وعلي ربانية الوحي الذي أوحي إليه به, ولتثبت بعد ذلك فساد كفر الكافرين, وشرك المشركين, ثم تقول: ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبي أكثر الناس إلا كفورا* ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا* فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا* ( الفرقان:50 ـ52). وفي ذلك أمر من الله ـ تعالي ـ الي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم), وبالتالي فهو أمر الي كل من تبعه من المؤمنين الي يوم الدين ـ بضرورة مخالفة الكافرين وضرورة جهادهم بالقرآن الكريم جهادا كبيرا, وذلك لدحض كل دعاوي كفرهم وشركهم بالله ـ تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا ـ وفي ذلك تقول: ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر علي ربه ظهيرا* وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا* قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلي ربه سبيلا* وتوكل علي الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفي به بذنوب عباده خبيرا* الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوي علي العرش الرحمن فاسأل به خبيرا* (الفرقان:55 ـ59). وتؤكد هذه الآيات خسران شرك المشركين, وفساد تعاضدهم مع الشيطان ضد أوامر رب العالمين, مؤكدة لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) أنه ما أرسل إلا مبشرا ونذيرا للناس كافة وأن يقول للناس إنه( صلي الله عليه وسلم) لا يسألهم أجرا علي هذا البلاغ من الله ـ تعالي ـ وهذا الإنذار منه, ولكنه( صلوات الله وسلامه عليه) يفعل ذلك ابتغاء وجه الله الكريم, وهداية لمن شاء أن يتخذ الي ربه سبيلا, أي طريقا ومنهجا يقتدي فيه بما جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين. كما تأمر الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين وكل المسلمين من بعده ـ بضرورة التوكل علي الله ـ الحي الذي لا يموت ـ والتسبيح بحمده لأنه ـ سبحانه وتعالي ـ هو الخبير بذنوب عباده, القادر علي مجازاتهم بعفوه وغفرانه أو بعدله وميزانه. وتختتم سورة الفرقان باستعراض عدد من صفات عباد الرحمن, في دعوة ربانية كريمة من الله ـ سبحانه وتعالي ـ لجميع عباده كي يتحلوا بمكارم الأخلاق, وفي ذلك تقول الآيات: وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما* والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما* والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما* إنها ساءت مستقرا ومقاما* والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما* والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا* إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما* ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب الي الله متابا* والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما* والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا* والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما* أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما* خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما*( الفرقان:63 ـ76). ومن مكارم أخلاق عباد الرحمن الواردة في الآيات السابقة مايلي: التواضع, والحلم, والاجتهاد في العبادة وفي مقدمتها التهجد, والخوف من الله, وترك التطرف بالاسراف أو الإقتار, والبعد عن الشرك بالله والتنزه عن جريمتي الزنا والقتل, والتوبة الي الله, وتجنب كل من الكذب وشهادة الزور, والعزوف عن اللغو, وتدبر آيات الله بعمق, والابتهال الدائم إليه ـ سبحانه وتعالي ـ طلبا للذرية الصالحة والعمل الصالح. وتختتم سورة الفرقان بخطاب الي الكفار والمشركين تقول فيه: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما* (الفرقان:77) أي: قل يا خاتم الأنبياء والمرسلين للكفار والمشركين من حولك ـ وليقل كل مسلم ومسلمة الي أمثال هؤلاء الكفار والمشركين في كل زمان ومكان: إن الله ـ تعالي ـ لا يكترث ولا يحفل بكم لولا تضرعاتكم إليه واستغاثاتكم به في كل شدة ومحنة تمر بكم, ولكن نظرا لتكذيبكم به أو شرككم بعبادته آخر معه, أو إنكاركم لرسالته الخاتمة ولرسوله الخاتم, فسوف يكون العذاب ملازما لكم في الآخرة, لا انفكاك لكم عنه, ولا مهرب لكم منه جزاء كفركم أو شرككم بالله ـ تعالي ـ وإنكاركم لنبوة رسوله الخاتم, ولرسالته الخاتمة التي تطاول كثير من جهالكم عليها بغير علم...!! من ركائز العقيدة في سورة الفرقان (1) الإيمان بالله ـ تعالي ـ وبملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وبأنه ـ تعالي ـ قد نزل القرآن الكريم علي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) ليكون للعالمين نذيرا, وأنه ـ تعالي ـ قد نزله منجما ليثبت به فؤاد رسوله, وقد أمر جبريل ـ عليه السلام ـ أن يرتله لهذا الرسول الخاتم والنبي الخاتم ترتيلا, وعلي ذلك فلا يجوز لعاقل إنكار ربانية القرآن الكريم, ولا يجوز لمسلم أن يهجره وقد أنزله الله الغفور الرحيم الذي يعلم السر في السماوات والأرض, والذي هو علي كل شيء قدير. (2) التصديق بأن الله ـ الواحد الأحد, الفرد الصمد ـ له ملك السماوات والأرض, وأنه ـ تعالي ـ لم يتخذ ولدا, ولم يكن له شريك في الملك, وأنه خلق كل شيء فقدره تقديرا. (3) اليقين بأن الشرك بالله ـ تعالي ـ كفر به, وانحراف عن السوية الدينية, وبأن الذين أشرك بهم المشركون هم مخلوقون, خلقهم الله ـ تعالي ـ بقدرته, والمخلوق لا يرتقي أبدا الي مقام الخالق, ولا يستطيع خلق أي شيء, ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا, ولا موتا, ولا حياة, ولا نشورا, ومن هنا كان الشرك بالله ـ سبحانه وتعالي ـ أكبر الكبائر التي لا تغفر أبدا. (4) التسليم بأن جميع الأصوات المنكرة التي تطاولت ـ في القديم والحديث ـ علي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) هي أصوات كاذبة, مزورة, مضللة, استذلها الشيطان ـ وهو للإنسان عدو مبين وخذول حقير, فأطلقها بسلسلة من الافتراءات الضالة المضلة والتي منها: الافتراء بأن القرآن الكريم ليس وحيا سماويا, وأنه من كتابة سيدنا محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ وأن قوما آخرين قد أعانوه علي ذلك, وأنه من أساطير الأولين التي كانت تملي عليه بكرة وأصيلا, وهذه كلها أباطيل كاذبة أطلقت لصرف الناس عن القرآن الكريم, وهو الصورة الوحيدة من هداية رب العالمين المحفوظة بين أيدي الناس اليوم بنفس لغة وحيها( اللغة العربية), والتي تعهد الله ـ تعالي ـ بحفظها فحفظت كلمة كلمة, وحرفا حرفا. (5) الإيمان بجميع أنبياء الله ـ تعالي ـ ورسله, الذين كانوا كلهم من البشر, وكانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق, وأن كلا منهم بعث مبشرا ونذيرا, وكان له أعداء من المجرمين, وأن الذين كذبوهم من أقوامهم عاقبهم الله في الدنيا عقابا شديدا, ولهم في الآخرة من العذاب ما هو أشد وأبقي. (6) اليقين بحتمية الآخرة وبضرورتها, وبكل من الجنة والنار, وبأنها لجنة أبدا أو نار أبدا. (7) التسليم بضرورة المحافظة علي أرواح وأعراض وأموال وممتلكات وعقائد الناس, وبأن مجاهدة كل من الكفار والمشركين والجبابرة المستبدين, بالقرآن الكريم, هو واجب علي كل مسلم ومسلمة, وبأن التوكل علي الله ـ تعالي ـ حق التوكل, والتسبيح بحمده, والسجود لجلاله, هو حق لله ـ تعالي ـ علي جميع مخلوقاته. من الإشارات الكونية في سورة الفرقان (1) تقرير أن ملك السماوات والأرض لله الواحد الأحد,... الذي لم يتخذ ولدا, ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا*, والعلوم المكتسبة تؤكد حقيقة الخلق, وتشير إلي وحدانية الخالق, وإلي تنزيهه ـ سبحانه وتعالي ـ عن جميع صفات خلقه, وإلي حتمية وجود مرجعية للكون في خارجه يسمونها نقطة المرجعية(AReferencePoint) ومن كان خارج الكون كان مغايرا للمخلوقين, لا يحده المكان ولا الزمان, ولا تشكله المادة ولا الطاقة ولا يشبهه أحد من خلقه ليس كمثله شيء.... (2) ذكر الآخرة بتعبير الساعة, وعلوم الكون تثبت حتمية فنائه, والإشارة الي أن من علامات انهيار النظام الكوني تشقق السماء بالغمام, والعلوم المكتسبة تشير الي شيء من ذلك. (3) الإشارة الي مد الظل وقبضه, وهذه العملية من الأدلة العلمية علي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس, وعلي ميل هذا المحور, كما تدل علي جري الأرض في مدارها حول هذا النجم, ولولا ذلك ما تغير طول الظل, ولا تبادلت فصول السنة, وتكون الظلال من الأدلة العلمية أيضا, علي أن الأشعة المرئية لا تخترق الأجسام الصلبة, وقد اتبعت آيتا مد الظل وقبضه بتخصيص الليل للراحة, والنوم للاستجمام واستجماع القوي, والنهار لليقظة, والحركة, والجري وراء المعايش. (4) تأكيد أن الله ـ سبحانه وتعالي ـ هو الذي يصرف الرياح برحمته, ويحرك دورة الماء حول الأرض بعلمه وحكمته, حتي ينزله من السحاب ماء طهورا, يحيي به الأرض الميتة, ويسقيه للناس وأنعامهم. (5) الإشارة الي أن الماء ـ وهو أقوي مذيب نعرفه ـ يلتقي ولا يمتزج امتزاجا كاملا. (6) الإشارة الي خلق الإنسان من ماء يربط البشرية كلها برباط النسب والمصاهرة, ويؤكد طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق. (7) ذكر حقيقة أن الله ـ تعالي ـ هو الذي... خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام...* أي: ست مراحل متتالية. (8) تأكيد أن الله ـ تعالي ـ هو الذي... جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا* وفي ذلك تفريق علمي دقيق بين الضياء والنور, وهو من حقائق العلم التي لم تدرك إلا أخيرا. (9) الإشارة الي حقيقة أن الله ـ سبحانه وتعالي ـ هو الذي... جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا*, وفي ذلك تلميح ضمني رقيق الي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس. وكل قضية من هذه القضايا تحتاج الي معالجة خاصة بها, ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي النقطة الثالثة من القائمة السابقة, التي يقول فيها ربنا ـ تبارك وتعالي: ألم تر إلي ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا* ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا* ( الفرقان:46,45). من الدلالات اللغوية للآيتين الكريمتين *( مد): أصل( المد) الجر, ومنه( المدة) للوقت( الممتد), و(مد) الظل يقصد به تحريكه بانتظام عبر الزمن, والدليل علي ذلك قوله ـ تعالي:... ولو شاء لجعله ساكنا... *و(الظل) لغة ضد الضح, وهو أقل من الظلمة وأعم من الفيء, ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس( ظل), وجمعه( ظلال) و(أظلال), و(المظلل) ما يغمره( الظل), ولا تستخدم لفظة الفيء إلا لما زالت عنه الشمس, يقال:( استظل) بالشيء أي استدري به, ويقال:( ظللني) الغمام و(أظلني), أي حجب عني أشعة الشمس, ويقال:( ظل ظليل), أي: فائض الظل ودائمه. و(الظلة) سحابة( تظل) وجمعها( ظلل) و(ظلال). ويستخدم التعبيران( ظللت) و(ظلت)( ظلولا) لكل ما يفعل في أثناء النهار. و(المظلة) كل ما يستظل به, وجمعها( مظلات) و(ظلائل). *( سكن):( السكون) ثبوت الشيء بعد تحرك, ولذلك يستعمل في الاستيطان. واسم المكان( مسكن) والجمع( مساكن), و(السكن)( السكون) وما( يسكن) إليه. *( قبض):( القبض) ضد البسط, والانقباض ضد الانبساط, و(قبض) الشيء أخذه, يقال( قبض) الشيء( قبضا) و(قبض) الشيء( تقبيضا), اذا جمعه وزواه, ويقال:( قبض) فلان, أي مات, فهو( مقبوض) علي سبيل الكفاية. *( يسر): بمعني سهل, و(اليسر) ضد العسر, و(ياسره) أي ساهله, يقال:( تيسر) و(استيسر), أي: تسهل, و(اليسري) السهل, وكذلك( اليسير), و(الميسور), و(اليسير) يقال في الشيء القليل الهين, و(الميسور) و(اليسار) عبارة عن الغني والسعة. من الدلالات العلمية للنص القرآني الكريم أولا: في قوله تعالي: ألم تر إلي ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا...*: الظل آية من آيات النهار, تنتج عن حجب أشعة الضوء المرئي عن منطقة من مناطق سطح الأرض بواسطة أحد الأجسام المعتمة, كالجبال, أو الأشجار, أو الأبنية أو أجساد الكائنات أو كالسحب الكثيفة وغيرها من الأجسام التي تلقي ظلالا اذا سقطت عليها الأشعة المرئية من حزمة الضوء في اتجاه واحد. ويتكون الظل في عكس الاتجاه الذي تأتي منه حزمة الضوء المرئي, والظل قد يطول ويقصر, ويتسع ويضيق وفقا لحركات مصدر الضوء. ويعتبر كل من كسوف الشمس وخسوف القمر صورة من صور تكون الظل, الذي يتكون بمرور الأرض في ظل القمر, أو بمرور القمر في ظل الأرض, وكذلك تتكون الأشكال المتتالية للقمر من المحاق الي البدر الكامل,( الهلال الأول أو الوليد أو المتنامي, التربيع الأول, والأحدب الأول), ثم من البدر الكامل الي المحاق( الأحدب الثاني, التربيع الثاني, ثم الهلال الثاني أو المتناقص الي المحاق), وكلها تمثل مراحل متدرجة لخروج نصف القمر المواجه للأرض من ظلال نصفه الآخر بالتدريج, أو دخوله فيها بالتدريج كذلك. وفي قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ ألم تر الي ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا...* إشارة واضحة الي كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس, وإلي جريها في مدار محدد لها حول ذلك النجم بمحور مائل علي مستوي مدار الشمس, وإلا ما تكون الظل, ولا تبادلت الفصول المناخية. فلو أن الأرض لم تكن كرة ولم تكن دوارة حول محورها أمام الشمس ما امتد الظل, ولا تبادل الليل والنهار, ولو أن كوكبنا لم يكن جاريا باستمرار في مدار محدد حول الشمس, وبمحور مائل علي مدارها ما تبادلت الفصول المناخية ولا تغيرت زوايا سقوط أشعة الشمس علي الأرض وبالتالي تغيرت شدتها ولظلت أشعة الشمس مسلطة باستمرار علي أحد نصفي الأرض المغمور في نهار دائم فتبخر الماء, وتخلخل الهواء وتحرق كل حي أو تصيبه بالأمراض والعلل, بينما نصفها الآخر يبقي مغمورا في ليل دائم تتجمد فيه الأحياء وتفني فناء كاملا لحرمانها من طاقة الشمس, ويختل التوازن الحراري للأرض بالكامل في كل من نصفيها, وباختلاله تنعدم الحياة, وفي مثل هذا الوضع الثابت للأرض, تسكن الظلال ولا تتحرك لا بالزيادة ولا بالنقصان. كذلك فإنه لولا وصول سرعة دوران الأرض حول محورها الي معدلاتها الحالية, ما صلحت الأرض للعمران, فمن الثابت علميا أن هذه السرعة كانت في بدء خلق الأرض أعلي من ستة أضعاف معدلاتها الحالية, مما جعل طول الليل والنهار معا أقل من أربع ساعات, وجعل عدد الأيام في السنة أكثر من(2200) يوم, ومن الثابت علميا كذلك, أن ساعتين فقط من شروق الشمس لا تكفيان لازدهار الحياة الأرضية المعروفة لنا, ولا لراحة أو كدح مخلوق عاقل كالإنسان. ويتكرر انتفاء صلاحية الأرض للحياة, اذا كانت سرعة دورانها حول محورها هي نفس سرعة جريها في مدارها حول الشمس فيصبح يومها هو سنتها التي يقتسمها نهار واحد وليل واحد, طول كل منهما ستة أشهر كاملة, كما هو الحال في القمر, الذي يتم دورته حول محوره في نفس مدة جريه في مداره حول الأرض فيصبح يومه هو الشهر القمري يقتسمه ليل لمدة أسبوعين, ونهار لمدة أسبوعين آخرين. ويطلق تعبير( الظل) علي احتجاز النور عن منطقة ما, بوجود حاجز معتم يعترض مسار موجات هذا النور( الضوء المرئي) القادم من أحد مصادر الضوء في اتجاه واحد, ويفسر تكون الظل بأن موجات الضوء المرئي تتحرك في الأوساط المتجانسة في خطوط مستقيمة, ولا تستطيع الانحناء حول الأجسام المعتمة الواقعة في طريقها, فإذا كان مصدر الضوء نقطيا كان الظل هو المسقط الهندسي للعائق, ولكن اذا كان مصدر الضوء مستمرا في السقوط, وممتدا علي الحاجز المعتم فإن المقطع الهندسي للعائق يتكون من منطقة ظل داخلية تحيط بها منطقة شبه ظل خارجية أقل عتمة من منطقة الظل ومتدرجة في فقد تلك العتمة حتي تلتقي بطبقة النور, وعلي ذلك فإن منطقة الظل تكون محددة بحدود دقيقة تعكس شكل الحاجز المعترض لمسار أحزمة الضوء المرئي بدقة, اذا كانت هذه الأحزمة عمودية علي الحاجز, ويزداد حجم الظل أو يتناقص بزيادة أو نقصان زاوية سقوط حزمة الضوء المرئي علي الحاجز المعترض لها, أما منطقة شبه الظل فإن حدودها غير واضحة لتداخلها فيما حولها من مناطق النور الكامل. وهناك فرق بين( الظل) و(الظلمة), فالظل انخفاض في شدة الضوء المرئي, أما الظلمة فهي غياب كامل له. والنص الكريم الذي نحن بصدده, يشير الي كل من كروية الأرض, ودورانها حول محورها أمام الشمس, وجريها في مدارها حول هذا النجم بمحور مائل علي مستوي دورانها, ولولا ذلك ما تكون الظل, ولا امتد ولا قصر, كل ذلك نزل في هذا الكتاب المعجز من قبل ألف وأربعمائة سنة, وفي زمن لم يكن لأحد من الخلق إمكانية إدراك لهذه الحقائق التي لم تتوصل إليها العلوم المكتسبة إلا بعد ذلك بقرون عديدة, وإن دل ذلك علي شيء فإنما يدل علي ربانية القرآن الكريم, وعلي نبوة الرسول الخاتم الذي تلقاه( صلي الله عليه وسلم). ثانيا: في قوله ـ تعالي:... ثم جعلنا الشمس عليه دليلا*: من الثابت علميا أن الطيف الكهربي/المغناطيسي( الكهرومغناطيسي) المندفع إلينا من الشمس, يضم سلسلة من الموجات التي تتباين فيما بينها علي أساس من التباين في سرعات ترددها أو أطوال موجاتها, ويتراوح طول تلك الموجات بين جزء من تريليون جزء من المتر(10)-12 م بالنسبة لأشعة جاما, وعدة كيلومترات بالنسبة لموجات الراديو( الموجات اللاسلكية), ويقع بين هاتين النهايتين كل من الأشعة السينية, والأشعة فوق البنفسجية, وموجات الضوء المرئي, والأشعة تحت الحمراء. وتتراوح أطوال موجات الاشعاعات البصرية بين(10)-2 ميكرون,(10)+2 ميكرون( والميكرون= جزءا من مليون جزء من المتر), وتضم موجات الضوء المرئي, وكلا من الاشعتين فوق البنفسجية وتحت الحمراء, وتميز عين الإنسان من الضوء المرئي سبعة أطياف فقط هي: الأحمر, والبرتقالي, والأصفر, والأخضر, والأزرق, والنيلي, والبنفسجي, وهي الألوان السبعة التي تستطيع عين الانسان تمييزها في الظاهرة المعروفة باسم قوس قزح, وإن كان الضوء المرئي في الحقيقة مكونا من أعداد لا نهائية من الأطياف المتدرجة والمتداخلة مع بعضها البعض, أطولها الطيف الأحمر, وهو في نفس الوقت أقلها ترددا, بينما الطيف البنفسجي هو أقصرها وأعلاها ترددا, ولو كان لأطياف الضوء المرئي القدرة علي اختراق الأجسام المعتمة, كما هو الحال بالنسبة لكل من أشعة جاما والأشعة السينية, والموجات القصيرة من الأشعة فوق البنفسجية ما تكونت الظلال, وكذلك الحال اذا كانت كل الأجسام شفافة, وعلي ذلك فإن الشمس هي الدليل الحقيقي علي الظل لاحتواء أشعتها علي حزمة الضوء المرئي, وهذه الحزمة لا تستطيع اختراق الأجسام المعتمة, وتتراوح شدة اضاءة الشمس ما بين ألف ليومن (Lumen) في النهار الملبد بالغيوم ومائة ألف ليومن(Lm) علي المتر المربع من سطح الأرض في الشمس الساطعة, والليومن هي احدي وحدات قياس شدة( قوة) الضوء المرئي وتعرف بأنها كمية الفيض الضوئي الذي ينبعث في الثانية الواحدة علي المتر المربع من مصدر نقطي للضوء تبلغ شدته شمعة عيارية واحدة. كذلك فإنه عند كل من شروق الشمس وغروبها فإن أشعتها تظهر لنا في مستوي الأفق فتخترق سمكا متعاظما من الغلاف الغازي للأرض, حتي تصل الي أبصارنا, وبذلك تتشتت الأطياف القصيرة قبل وصولها إلينا وتتركز الأطياف المتوسطة والطويلة والتي أطولها الطيف الأحمر, فيغلب هذا اللون علي كل من الشمس المشرقة والغاربة, وبذلك أيضا يصل ظل كل شيء الي أقصي مداه, ومع ارتفاع الشمس فوق الأفق يتقاصر طول الظل بالتدريج حتي الظهيرة عندما تتعامد الشمس, فيصل ظل كل شيء الي أقصر طول له, ومع بدء الشمس في التحرك من تعامدها متدرجة في الاتجاه الي الغروب, يبدأ الظل في التطاول الي الشرق حتي يصل الي أقصي طول له قبل الغروب مباشرة, ثم يختفي مع غياب الشمس, ولذلك قال ربنا( تبارك وتعالي): ... ثم جعلنا الشمس عليه دليلا*. وذلك لأن الظل يتبع حركة صاحبه اذا كان متحركا, كما يتبع حركة مصدر الضوء نفسه كلما تحرك, فمع الحركة الظاهرية للشمس والناتجة عن دوران الأرض حول محورها, أمام هذا النجم تتحرك ظلال الأشياء باستمرار من أطولها عند الشروق الي أقصرها في الظهيرة, الي أطولها عند الغروب, ثم تختفي الظلال باختفاء الشمس, وإن تكونت بعض الظلال في ضوء البدر أو تحت الأضواء الصنعية. والمزولة الشمسية(theSundial) التي كانت من أوائل الأجهزة التي صممت لقياس الوقت تعتمد علي حركة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس, مما يتسبب في تحرك الظل في عكس اتجاه حركة الأرض. ثالثا: في قوله ـ تعالي: ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا*: وتشير هذه الآية الكريمة الي استطالة الظل, من وقت تعامد الشمس في الظهيرة, تلك الاستطالة التدريجية الي اتجاه الشرق حتي يصل الظل الي أقصي طول له قبل الغروب مباشرة, ثم يختفي بغروب الشمس ودخول الليل, وهذه الحركة التي تستغرق نصف النهار تقريبا وصفتها الآية الكريمة, التي نحن بصددها, بالقبض اليسير, أي: المتدرج, ومن الثابت علميا أن الأرض تدور حول محورها بسرعة تقدر بنحو30 كم في الدقيقة, وتجري في مدارها حول الشمس بسرعة تقدر بنحو30 كم في الثانية, وهاتان الحركتان تلعبان دورا أساسيا في مد الظل وقبضه. وتكون الظل نعمة من نعم الله ـ تعالي ـ لأنه يحمي كلا من الإنسان والحيوان والنبات من أشعة الشمس, التي لو زادت لساعات فوق احتمال كل من هذه المخلوقات لأحرقتها ودمرتها, وذلك لخطورة بعض الموجات المكونة لأشعة الشمس, ومن أخطرها الأشعة فوق البنفسجية, وهي من الأشعات غير المرئية والتي ثبت أن لها آثارا تدميرية علي الخلايا الحية اذا تعرضت لتلك الأشعات لساعات طويلة, فالتعرض لأشعة الشمس المباشرة لساعات طويلة ومتكررة خاصة في فترات شدة الحر يسبب العديد من الأمراض التي منها سرطانات الجلد, التي قد تنتشر لبقية الجسم اذا لم تتدارك بسرعة, ومنها إكزيما الشمس, وأمراض حساسية الضوء, وأمراض الميلانوما( الأورام القتامينية الخطيرة), والتقرن الشمسي للجلد, وحروق الشمس, والتأثير علي الجهاز المناعي, وعلي العينين فتسبب مرض الماء الأبيض( الساد أو السد),. وبتكون الظلال يتبادل كل من الليل والنهار والفصول المناخية, وتتشكل المراحل المتتالية للقمر, ويحدث الخسوف والكسوف ويمكن حساب الزمن, ولولا الظل ما بدت الأشياء مجسمة, واضحة الملامح, ومميزة بها. هذه الحقائق نزلت في زمن سيادة الاعتقاد بثبات الأرض, وورودها بهذه الدقة العلمية القاطعة في كتاب أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة علي نبي أمي( صلي الله عليه وسلم), وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين لمما يقطع بأن هذا الكتاب لايمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق, الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية, في نفس لغة وحيه ـ اللغة العربية ـ وحفظه حفظا كاملا: كلمة كلمة, وحرفا حرفا, حتي يأتي بهذه الدقة العلمية, وقد تحقق هذا الحفظ علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية, وسوف يستمر إلي ما لا نهاية تحقيقا لقول ربنا ـ تبارك وتعالي: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون* (الحجر:9). فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين, الذي بعثه الله ـ تعالي ـ رحمة للعالمين بعد أن فقدت البشرية صلتها بوحي السماء, فبلغ الرسالة, وأدي الأمانة, ونصح الأمة وجاهد في سبيل الله حتي أتاه اليقين, فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم, أن يجزيه خير ما جازي به نبيا عن أمته, ورسولا علي حسن أداء رسالته, وأن يعين أمة الإسلام علي اقتفاء سنته حتي يعم الأرض نور هذا الدين الخاتم, الذي لا يرتضي ربنا ـ تبارك وتعالي ـ من عباده دينا سواه, فيعود لها العدل الإلهي والأمن والرخاء لكوكبنا الأرض بعد أن فقد كل ذلك, وما ذلك علي الله بعزيز, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين. |
أدوات الموضوع | |
|
|