للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾( الحجر:85 )
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾( الحجر:85 ) هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في خواتيم سورة الحجر, وهي سورة مكية, وآياتها تسع وتسعون(99) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي أصحاب الحجر, وهم قبيلة ثمود, قوم نبي الله صالح ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية, شأنها في ذلك شأن كل السور المكية. وتبدأ سورة الحجر بالحروف المقطعة الثلاثة( الر) التي تكررت في مطلع خمس من سور القرآن الكريم هي: يونس, هود, يوسف, إبراهيم, والحجر. وقد سبق لنا مناقشة هذه الفواتح الهجائية, ولا أري داعيا لتكرار ذلك هنا.وبعد هذا الاستهلال تمتدح الآيات كلا من القرآن الكريم والإسلام العظيم, مهددة كلا من الكفار والمشركين وأعداء الدين بعقاب رب العالمين, وفي ذلك تقول: ﴿الـر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ * رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾ (الحجر:1 ـ5). ثم تنتقل الآيات إلي استنكار تطاول أهل الكفر والشرك والضلال علي شخص خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم, مؤكدة أن الله ـ تعالي ـ هو الذي أنزل القرآن الكريم, وتعهد بحفظه تعهدا مطلقا فتقول: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ *لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *مَا نُنَزِّلُ المَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُّنظَرِينَ *إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾( الحجر:6 ـ9).وتؤكد السورة الكريمة أن هذا الموقف الجاحد تكرر من الكفار والمشركين مع جميع أنبياء الله ورسله, فاستحق هؤلاء الجاحدون أشد العقاب من رب العالمين في الدنيا قبل الآخرة, وفي ذلك تقول الآيات مخاطبة خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ *وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ *كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ *لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ﴾( الحجر:10 ـ13). وفي الآيات(14 ـ27) استعرضت سورة الحجر عددا من بديع صنع الله في الكون, مما يشهد له ـ تعالي ـ بالألوهية, والربوبية, والخالقية, والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه. وجاء في كل آية من هذه الآيات عدد من ومضات الإعجاز العلمي في كتاب الله يتمثل في السبق بالإشارة إلي عدد من حقائق الوجود التي لم تدرك إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, وإن كانت أعين الكفار والمشركين لا تبصر, وعقولهم لا تعي ولا تفهم, وأسماعهم عن الحق قد صمت!!ثم تنتقل الآيات إلي حقيقة خلق الإنسان, وإلي موقف الشيطان منه فتقول: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ *فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ *فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ *إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ *قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ *قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ *قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ *وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ *قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ *إِلَى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ *قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ *قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ *إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ *وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ *لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ﴾ ( الحجر:28 ـ44). وفي المقابل تنتقل الآيات إلي وصف الجنة التي يدخلها عباد الله المتقون, وإلي وصف جانب من نعيمهم فيها, آمرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن يبشر برحمة الله ومغفرته, وأن ينذر من أليم عذابه فتقول: ﴿إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ *وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ *لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ *نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ *وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ ﴾( الحجر:45 ـ50).وفي الآيات(51 ـ84) استعراض لقصص عدد من أنبياء الله ورسله, ولتفاعل أقوامهم معهم, ولعقاب الله الذي وقع بالكفار والمشركين, والعصاة المتجبرين منهم, حتي تعتبر الأمم من بعدهم, فلا يقعوا فيما وقع هؤلاء العصاة فيه, ومن أنبياء الله الذين ورد ذكرهم في سورة الحجر ساداتنا إبراهيم, لوط, شعيب, وصالح( علي نبينا وعليهم وعلي أنبياء الله جميعا من الله السلام).ثم تتجه الآيات بالخطاب مرة أخري إلي خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ـ فتقول له: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ *إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ *وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المَثَانِي وَالْقُرْآنَ العَظِيمَ *لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِـينَ *وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ المُبِـينُ *كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِـينَ *الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ *فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ( الحجر:85 ـ93). و(المقتسمون) هم كفار أهل الكتاب ومشركوهم الذين تحالفوا علي مخالفة أنبياء الله وتكذيبهم وإيذائهم, وتقاسموا علي ذلك, والذين اقتسموا الكتب التي أنزلت إليهم فآمنوا ببعضها وكفروا بالبعض الآخر, وهم( الذين جعلوا القرآن عضين) أي أجزاء متفرقة, يستشهدون بما يروق لهم من آياته, خداعا ومواربة, ولعبا بالألفاظ..., ويغفلون منه ما يدين عقائدهم الباطلة!! وجاءت الإشارة إلي هؤلاء الكفار والمشركين مواساة لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في موقف كفار ومشركي العرب من القرآن الكريم الذي تطاولوا عليه كفرا وشركا وفجرا وافتراء بوصفه بالسحر تارة, وبالشعر تارة أخري, وبالشعوذة والأساطير تارة ثالثة, مع عجزهم الكامل عن الإتيان بشيء من مثله, وهم في قمة البلاغة والفصاحة وقوة البيان... وتبقي هذه الآيات مواساة لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ كذلك في حال كل متطاول علي شخصه الكريم أو علي القرآن الكريم من كفار ومشركي كل عصر, وكل جيل, إلي قيام الساعة, ولذلك ختمت سورة الحجر بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ له: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ *إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ *الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ *وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ *وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ ﴾ ( الحجر:94 ـ99). من ركائز العقيدة في سورة الحجر (1) الإيمان بالله ـ تعالي ـ الخلاق العليم, والغفور الرحيم, صاحب العذاب الأليم, والإيمان بملائكته, وكتبه, ورسله, وبأنه ـ تعالي ـ هو الذي أنزل القرآن الكريم علي خاتم أنبيائه ورسله, وتعهد بحفظه تعهدا مطلقا. (2) اليقين بأن الدين الذي يرتضيه ربنا ـ تبارك وتعالي ـ من عباده هو الإسلام, ولا يرتضي منهم دينا سواه. (3) التصديق بحقيقة الآخرة, وبحتميتها, وضرورتها, وبكل أحداثها: من البعث إلي الحشر, والحساب, والجزاء, والجنة ونعيمها, والنار وجحيمها. (4) التسليم بكل ما جاء في القرآن الكريم من قصص الأنبياء والمرسلين وتفاعل أممهم معهم, وعقاب الذين استهزأوا منهم بأنبياء الله ورسله, وكيف كان لكل أمة منهم أجل استوفته بالكامل, وكيف كانت نهايتها. (5) الإيمان بحقيقة الروح التي هي من أمر الله. (6) اليقين بأن الشيطان للإنسان عدو مبين. (7) التصديق بفضل فاتحة الكتاب التي امتدحتها السورة كما امتدحتها أحاديث رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ. (8) التسليم بأن الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ هو النذير المبين للحق أجمعين. (9) الإيمان بمسئولية الإنسان عن أعماله في الحياة الدنيا. (10) اليقين بأن الله ـ تعالي ـ قد تكفل بالدفاع عن خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ حيا وميتا, فما ضاق صدره بما قال السفهاء من الناس في زمانه ولن يسيؤه ذلك بعد وفاته. (11) التصديق بأن الموت حق علي كل العباد. من الإشارات العلمية في سورة الحجر (1) التأكيد علي أن السماء بناء محكم, وعلي وصف الحركة فيها بالعروج. (2) الإشارة إلي رقة طبقة النهار وإلي ظلمة الكون. (3) وصف بروج السماء بأنها زينة لها, ووصف الشهب بأنها رجوم للشياطين. (4) التأكيد علي كروية الأرض بالوصف( مددناها), وذلك لأن المد بلا نهاية هو قمة التكوير. (5) الإشارة إلي إلقاء الجبال في الأرض, ووصفها بالرواسي, والتأكيد علي إنبات كل شيء بميزان دقيق في هذه الأرض. (6) وصف قدرة الله ـ تعالي ـ البالغة في توفير أرزاق الإنسان علي الأرض, وأرزاق من لا يستطيع الإنسان إعاشته من أحياء الأرض. (7) التأكيد علي أن خزائن كل شيء عند الله ـ تعالي ـ وما ينزل الأرزاق منها إلا بقدر معلوم, وإلا فسدت الحياة علي الأرض. ومن هذه الأرزاق المطر, ومختلف أنواع العناصر والمركبات, والقرارات الإلهية بإنزال الرزق. (8) الإشارة إلي دور الرياح في تلقيح السحب بنوي التكثف, ومن ثم إنزال الماء لسقيا كل من الإنسان والحيوان والنبات, وخزن الفائض في صخور الأرض عالية المسامية وعالية النفاذية, وبين طبقات مصمتة في مخازن للماء محكمة, أحكمها صنعا الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ من أجل استقامة الحياة علي الأرض. (9) التأكيد علي حتمية فناء الكون بقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ:﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الوَارِثُونَ ﴾ ( الحجر:23) وقوله ـ تعالي ـ:...﴿ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ ( الحجر:85). (10) وصف خلق الإنسان من صلصال من حمإ مسنون. (11) الإشارة إلي عدد من الأنبياء السابقين, وإلي المكذبين من أممهم وما أصابهم من عقاب الله, والدراسات الأثرية تؤكد ذلك وتدعمه. (12) التأكيد علي خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق, أي حسب قوانين ثابتة لا تتخلف, ولا تتعطل, ولا تتوقف إلي ما شاء الله ـ تعالي ـ, والإشارة بالبينية الفاصلة للسماوات عن الأرض إلي مركزية الأرض من الكون وهو ما لا يمكن للمعارف المكتسبة إثباته. وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولذلك فسوف أقصر الحديث علي النقطة الأخيرة من القائمة السابقة, التي سوف نناقشها في المقال القادم إن شاء الله ـ تعالي. هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في خواتيم سورة الحجر وهي سورة مكية, وآياتها تسع وتسعون(99) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي أصحاب الحجر, وهم قبيلة ثمود, قوم نبي الله صالح- علي نبينا وعليه من الله السلام- ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية, شأنها في ذلك شأن كل السور المكية, هذا وقد سبق لنا استعراض سورة الحجر وما جاء بها من ركائز العقيدة والإشارات العلمية, ونخص هذا المقال بومضة الإعجاز العلمي في الآية الخامسة والثمانين من هذه السورة المباركة والتي اتخذناها عنوانا للمقال. من الدلالات العلمية للآية الكريمة أولا: في قوله ـ تعالي ـ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ ...: جاءت لفظة السماء في ثلاثمائة وعشرة مواضع من القرآن الكريم, منها مائة وعشرون بالإفراد( السماء).. ومائة وتسعون بالجمع( السماوات). كذلك جاءت الإشارة إلي( السماوات والأرض وما بينما) في عشرين موضعا من تلك المواضع, وجاء ذكر السحاب المسخر بين السماء والأرض في موضع واحد( الآية164 من سورة البقرة) والتي تشير إلي أن نطاق المناخ المحتوي علي السحب هو الفاصل بين الأرض والسماء وهو نطاق لا يتعدي سمكه16 كيلو مترا فوق خط الاستواء ويحوي اغلب مادة الغلاف الغازي للأرض75% بالكتلة وبناء علي ذلك فإن السماء في القرآن الكريم تشمل كل ما يحيط بالأرض بدءا من نهاية نطاق المناخ إلي نهاية الكون التي لا يعلمها إلا الله تعالي, وتشير آيات القرآن الكريم إلي أن الله ـ سبحانه وتعالي ـ خلق سماء واحدة وأرضا واحدة, ثم مايز كلا منهما إلي سبعة نطق متطابقة حول مركز واحد يغلف الخارج منها الداخل فيها بمعني أن يكون جميع ما في السماء الدنيا داخلا في باقي السماوات ولذلك قال عز من قائل: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ ( الطلاق:12)وقال- تعالي: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ ( نوح:16,15). وقال ـ سبحانه: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ*ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ *وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ واعتدنا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِير﴾(الملك:3-5).وجاء ذكر السماوات السبع في سبع آيات قرآنية كريمة, ويشير هذا الكتاب العزيز إلي أن النجوم والكواكب هي من مميزات السماء الدنيا فقط وذلك بقول الحق تبارك وتعالي:﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ ( الصافات:6) وقوله ـ تعالي:﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ ﴾ ( فصلت:12).وقوله- سبحانه:﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ..﴾ (الملك:5). ويقدر علماء الفلك قطر الجزء المدرك من الكون بأكثر من خمسة وعشرين بليونا من السنين الضوئية(25 بليون*9,5 مليون مليون كم) وهذا الجزء من السماء الدنيا دائم الاتساع إلي نهاية لا يعلمها إلا الله تعالي, وبسرعات لا يمكن للإنسان اللحاق بها وذلك لأن سرعة بعض المجرات عنا وعن بعضها البعض تقترب من ثلاثة أرباع سرعة الضوء المقدرة بحوالي ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية. وهذا الجزء المدرك من السماء الدنيا مبني بإحكام بالغ, ودقة فائقة, وعلي وتيرة واحدة, تبدأ بتجمعات حول نجم من النجوم من مثل مجموعتنا الشمسية التي تضم عددا من الكواكب والكويكبات والأقمار والمذنبات التي يدور كل منها في مدار محدد له حول الشمس وتنطوي ملايين الملايين من هذه المجموعات في وحدات أكبر هي المجرات وتكون عشرات من المجرات المتقاربة ما يعرف باسم المجموعات المحلية وتلتقي المجموعات المحلية فيما يعرف باسم الحشود المجرية وتلتقي هذه في الحشود المجرية العظمي إلي ما هو اكبر من ذلك حتى نهاية السماء الدنيا.والحشد المحلي الأعظم الذي تنتسب إليه مجرتنا يضم مائة من الحشود المجرية علي هيئة قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية, وسمكه عشر ذلك, وهي نفس النسبة بين طول قطر مجرتنا وسمكها وقد اكتشف مؤخرا حشد مجري عظيم آخر يبلغ طوله بليون ونصف البليون من السنين الضوئية, وسمكه مائتي مليون سنة ضوئية. وتدرس السماء الدنيا حاليا في شرائح تقدر أبعادها بحوالي(150 مليون*100 مليون*15 مليون سنة ضوئية), ووصل طول احدي هذه الشرائح إلي(250 مليون سنة ضوئية). ومجرتنا( درب اللبانة) عبارة عن قرص مفرطح يقدر قطره بمائة ألف سنة ضوئية, وسمكه بعشر ذلك, ويضم ما بين مائة بليون إلي تريليون نجم في مراحل مختلفة من العمر.ومن المنطقي أن يكون لعدد من هذه النجوم توابع كما لشمسنا عدد من التوابع. وتدور مجرتنا دورة كاملة حول مركزها في مدة تقدر بحوالي225 مليون سنة من سنيننا, وهذا هو يومها.وهذه الوحدات من اللبنات الأولية للمادة إلي نهاية الجزء المدرك من الكون مرتبطة بعدد من القوي التي تعرف منها القوتان النوويتان الشديدة والضعيفة, والقوة الكهرومغناطيسية, وقوة الجاذبية, والتي يري العديد من العلماء أنها صور متعددة لقوة واحدة يحاول العلماء الوصول إليها فيما يسمي باسم نظريات التوحيد الكبرى أو الجاذبية العظمي وفي هذا السبيل تم اقتراح نظرية الخيوط العظمي التي تفترض أن اللبنات الأساسية للمادة تكون من خيوط طولية غاية في دقة السمك, تلتف حول ذواتها, فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية في الصغر. أما الأرض فهي كوكب صخري, شبه كروي, يبلغ متوسط قطره(12,742 كم) وكتلته حوالي( ستة آلاف مليون مليون مليون طن), ويتكون من سبعة نطق متطابقة حول مركز واحد هي علي النحو التالي: 1ـ قشرة الأرض( الأرض الأولي). 2ـ ما دون القشرة( الأرض الثانية). 3ـ نطاق الضعف الأرضي( الأرض الثالثة). 4ـ الوشاح الأعلى( الأرض الرابعة). 5ـ الوشاح الأسفل( الأرض الخامسة). 6ـ اللب السائل( الأرض السادسة). 7ـ اللب الصلب( الأرض السابعة). والأرض كوكب فريد في كثير من صفاته التي هيأها له الخالق سبحانه وتعالي ليجعله صالحا للحياة التي نعهدها عليه, ومن ذلك أبعاده من ناحية الحجم, ومتوسط الكثافة, والكتلة, والتركيب الداخلي, والبنيات الخارجية, ونطق الهواء, والماء, والحياة, والصخور المحيطة به, والعمليات الداخلية البانية والهادمة فيه, والعمليات الخارجية المشكلة لسطحه, ودورات الماء, والهواء, والصخور, والحياة المستمرة من حوله, كل ذلك وغيره من صفات الأرض التي نحيا عليها, نموت وندفن في ترابها يتم حسب قوانين ثابتة منضبطة لا تتوقف, ولا تتعطل, ولا تتخلف إلي أن يشاء الله. والبينية الفاصلة بين السماوات والأرض تشير إلي حقيقتين هامتين توصلت المعارف المكتسبة إلي واحدة منهما, ولن تستطيع أبدا إثبات الثانية. والحقيقة الأولي هي أن الغلاف الغازي في نطاق الرجع( نطاق المناخ والسحب) ليس من الأرض بالكامل ولا من السماء بالكامل, ولكنه خليط من مادتي الأرض والسماء, تكون باندفاع كميات هائلة من غازات وأبخرة البراكين الأرضية, واختلاط هذه الغازات والأبخرة بالمادة بين الكواكب فتكون هذا النطاق البيني, وهي حقيقة لم يدكها العلماء إلا في القرن العشرين أما الحقيقة الثانية فهي مركزية الأرض من الكون, وهي مما لا يستطيع الإنسان إثباته لضخامة الكون وضآلة حجم الأرض. من هنا كانت الإشارة القرآنية الكريمة إلي البينية الفاصلة بين السماء والأرض في عشرين آية قرآنية كريمة بما فيها الآية التي نحن بصددها- تأكيدا علي هذه المركزية التي لا يمكن للبينية أن تتحقق بدونها ولذلك قال تعالي: وما خلقنا السـماوات والأرض وما بينهـما إلا بالحق.. ثانيا: في قوله ـ تعالي ـ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ .. تطلق الشمس من مختلف صور الطاقة ما يقدر بحوالي( خمسمائة ألف مليون مليون مليون حصان) في كل ثانية من ثواني عمرها, وهذه الطاقة تقدر بما يعادل(4,6 مليون) طنا من المادة, ومعني هذا أن شمسنا ليست خالدة, ولكنها في طريقها إلي الفناء الحتمي باحتراقها التدريجي مع الزمن وإذا فنيت انتهي كل شئ علي الأرض وانتهت المجموعة الشمسية كلها وإن كنا نحن معشر المسلمين نؤمن بأن الساعة أمر الهي بـ( كن فيكون), ولن تنتظر فناء الشمس باحتراقها بالكامل, ولكن تأتي بغتة دون انتظار لحركة السنن الراهنة التي أبقاها الله ـ تعالي ـ شاهدة علي حتمية فناء الكون.ولما كانت الشمس تفقد من كتلتها باستمرار, فلابد أن تفقد الأرض من كتلتها باستمرار كذلك قدرا موازيا ومتناسبا مع ما تفقده الشمس, من اجل بقاء المسافة بينهما ثابتة, وهي محكومة بكتلتي هذين الجرمين, ويتحدد بواسطتها قدر الطاقة التي تصل من الشمس إلي الأرض, فإن زادت احترق كل شئ, وإن قلت تجمد كل شئ وعلي ذلك فقد قدر الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ أن تفقد الأرض من كتلتها باستمرار عن طريق نشاطها البركاني قدرا متناسبا من الغازات والأبخرة والأتربة الدقيقة إلي فسحة السماء متفلتة من عقال جاذبية الأرض حتى تبقي الأرض علي بعد ثابت من الشمس. كذلك فقد ثبت بالقياس أن القمر يبتعد عن الأرض بمعدل(3-4 سم) في كل سنة مما يجزم بحتمية ابتلاع الشمس له, وبداية تهدم مجموعتنا الشمسية, إن لم يكن تهدم الكون كله. والشمس لن تبتلع القمر بهذه السنة التي أبقاها الله ـ تعالي ـ شاهدا من الشواهد الحسية علي حتمية فناء الكون, لأن الآخرة لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا تماما, وأنها لا تأتي إلا بغتة بالأمر الإلهي( كن فيكون) ولذلك قال ـ تعالي ـ﴿ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ.. ﴾ وكل المعارف المكتسبة تؤكد علي حتمية تهدم النظام الكوني القائم, وحتمية فنائه وذلك من أحق حقائق الوجود ولذلك قال تعالي وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية.. ثالثا: في قوله ـ تعالي ـ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ.. يأمر ربنا تبارك وتعالي خاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم أن يصفح الصفح الجميل عن الكفار والمشركين الذين كذبوا بعثته الشريفة في القديم والحديث, وأنكروا نبوته الخاتمة في زمانه ومن بعده, وتطاولوا علي شخصه الكريم وهو إمام الأنبياء وسيد المرسلين, بل سيد ولد آدم أجمعين, واتهموه ـ شرفه الله ـ بالشعر, وبالسحر, وبالكهانة, والشعوذة, وبالجنون, وهم الذين وصفوه من قبل بالصادق الأمين, وكذلك حال الناس عبر التاريخ ما أتاهم من رسول إلا استهزءوا به, وسخروا منه, وكذبوا دعوته علي الرغم من علمهم بما أصاب مكذبي أنبياء الله ورسله من الأمم السابقة من هلاك ودمار, وحتى في زمن الفتن الذي نعيشه لم يسلم خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد الخلق أجمعين ـ صلي الله عليه وسلم ـ من غمز الشياطين, وقد شرفه الله تعالي تشريفا لم ينله أحد من الناس, من قبل ولا من بعد, ووعده بالانتقام العاجل من كل مسئ إلي شخصه الكريم ولذلك وجه الخطاب إليه في ختام سورة الحجر بقوله ـ عز من قائل: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ *إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ *الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ *وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ *وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ (الحجر94-99) وهذا تهديد شديد من الله ـ تعالي ـ ووعيد أكيد لكل من جعل مع الله معبودا آخر, ولكل من آذي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- بكلمة نابية, أو إشارة ساقطة, أو رسم مهين.والخطاب القرآني إلي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- خطاب إلي كل مؤمن برسالته إلي يوم الدين, والمتأمل للآيات في ختام سورة الحجر يري أنها كما ناسبت مقام الحال من قبل ألف وأربعمائة سنة فهي تنطبق علي أحوال الناس في هذه الأيام, وكأن القرآن الكريم يتنزل علينا اليوم من جديد ليواجه أحداثا وقعت بعد نزوله بأكثر من أربعة عشر قرنا ليثبت لكل ذي بصيرة انه كلام رب العالمين الذي لا تنتهي عجائبه, ولا يخلق علي كثرة الرد. فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد له علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام- صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه, ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. |
أدوات الموضوع | |
|
|