للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ (غافر:19)
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أواخر الربع الأول من سورة غافر, وهي سورة مكية, وآياتها(85) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم الجليل( غافر) الذي هو صفة من صفات الله العليا التي جاءت في مطلع السورة, ثم جاءت في ثناياها بصيغة( الغفار) وهو اسم من أسماء الله الحسني. ويدور المحور الرئيسي لسورة غافر حول قضيتي الإيمان والكفر, وصراع أهليهما عبر التاريخ, وتدخل الإرادة الإلهية دوما لحسم هذا الصراع لمصلحة أهل الإيمان إذا ثبتوا علي إيمانهم وصبروا, واحتسبوا. أما أهل الكفر والشرك والعصيان المتجبرين في الأرض بغير الحق فيأخذهم الله ـ تعالي ـ أخذ عزيز مقتدر, ولذلك تشير هذه السورة الكريمة إلي مصارع عدد من الأمم الغابرة التي كفرت بربها, وكذبت أنبياءه ورسله, وطغت في الأرض وتجبرت, وبغت علي أهلها واعتدت بغير الحق فكان جزاؤها السحق والإفناء والإهلاك والإبادة وهذه هي سنة الله التي لا تتبدل. هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة غافر, وما جاء فيها من ركائز العقيدة, والإشارات الكونية, ونوضح هنا لمحة الإعجاز العلمي في قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ:﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِوَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾(غافر:19) وقبل الوصول إلي ذلك أري ضرورة استعراض أقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة. من أقوال المفسرين:- في تفسير قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِوَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾(غافر:19): * ذكر ابن كثير ـ يرحمه الله ـ ما مختصره:.. يخبر ـ عز وجل ـ عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء, جليلها وحقيرها, صغيرها وكبيرها, دقيقها ولطيفها ليحذر الناس ربهم, فيتقوه حق تقواه, ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه, فإنه ـ عز وجل ـ يعلم العين الخائنة, ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والأسرار. * وجاء في الجلالين ـ رحم الله كاتبيه ـ ما نصه:( يعلم) أي الله ـ تعالي ـ( خائنة الأعين) بمسارقتها النظر إلي محرم.( وما تخفي الصدور) القلوب. وأضاف الشيخ محمد أحمد كنعان الذي راجع هذا التفسير الجليل في الهامش إضافة جيدة جاء فيها: قوله ـ تعالي ـ:( يعلم خائنة الأعين) خيانة العين ـ كما فسرها الجلال المحلي هنا ـ هي: مسارقتها النظر إلي محرم, أي: ينظر إلي ما يحرم النظر إليه من امرأة مسارقة بحيث لا يشعر جليسه بذلك.., وذكر في حديث شريف معني آخر لخيانة العين وهو الغمز كما جاء في قول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: " إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين أي أن يومئ بعينه ليعبر عن شيء في نفسه لايريد الإفصاح عنه "( رواه أبو داود ـ والنسائي). * وذكر صاحب الظلال ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ ما نصه: والعين الخائنة تجتهد في إخفاء خيانتها, ولكنها لا تخفي علي الله ـ والسر المستور تخفيه الصدور, ولكنه مكشوف لعلم الله. * وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ـ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة ـ ما نصه:( يعلم خائنة الأعين) أي: هو تعالي يعلم النظرة الخائنة, كمسارقة النظر إلي ما نهي الله عنه,( وما تخفي الصدور) أي: والذي تخفيه الصدور من المكنونات, فيجزي كل نفس بما كسبت. * وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم ـ جزآهم الله خيرا ـ ما نصه: وهو ـ سبحانه ـ يعلم النظرة الخائنة للعين, وما تخفيه الصدور من المكنونات. وذكر بقية المفسرين كلاما مشابها لا داعي لتكراره هنا. من الدلالات اللغوية لألفاظ الآية الكريمة:- 1- ( خائنة) صفة موضوعة موضع المصدر من( خان)( يخون)( خيانة) فهو( خائن) وخائنة, وهي( خائنة); و(الخيانة) والنفاق واحد إلا أن( الخيانة) تقال اعتبارا بالعهد والأمانة, والنفاق يقال اعتبارا بالدين, ثم يتداخلان, فـ( الخيانة) مخالفة الحق بنقض العهد في السر. ونقيض الخيانة: الأمانة, يقال:( خان) فلان فلانا, و( خان) أمانة فلان, فهو خائن, و( خائنة) نحو راوية وداهية; و(الاختيان) مراودة( الخيانة) أو تحرك شهوة الإنسان لتحري( الخيانة), وذلك هو المشار إليه بقوله ـ تعالي ـ إن النفس لأمارة بالسوء). 2- ( العين) وجمعها( أعين) و( عيون) هي جارحة الإبصار, ويقال لذي( العين)( عين), وللمراعي للشيء( عين), و( أعيان) القوم أفاضلهم; وفلان بعيني أي: أحفظه وأراعيه; وتستعار( العين) لمعان هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة, ومنها( خائنة الأعين) وهي النظرة الخائنة, أو هي الغمز أي: الإشارة بجفن العين. ويقال لمنبع الماء( عين), ومنها اشتق الوصف للماء( بالمعين) أي الظاهر للعيون. 3- ( خفي),( يخفي)( خفية) و( خفاء) بمعني استتر, و( الخفاء) ما يستر به كالغطاء, و(خفيته) أزلت( خفاه) وذلك إذا أظهرته, و(أخفيته) أوليته خفاء, وذلك إذا سترته; و( الاستخفاء) طلب( الإخفاء); و(الخوافي) جمع( خافية) وهي ما يستتر من الشيء, أو هي مادون القوادم من الريش في الطيور. وشيء( خفي) أي( خاف) وجمعه( خفايا). 4- ( الصدر) هو الجارحة, وجمعه( الصدور); و( صدر) كل شيء أوله أو مقدمه علي سبيل الاستعارة من مثل قولك: صدر كل من المجلس, والكتاب والكلام; ويقال( صدره) أي: أصاب صدره أو قصد قصده, ومنه قيل: رجل( مصدور) إذا كان يشكو صدره, وإذا عدي بحرف الجر( عن) اقتضي الانصراف تقول:( صدرت) الإبل عن الماء( صدرا) و(صدور), والمصدر( صدر) عن الماء, و( الصدار) ثوب يغطي به( الصدر) ويقال له( الصدرة); و( صدر) الفرس جاء سابقا( بصدره). والقرآن الكريم أشار في مواضع كثيرة بـ( الصدر) إلي القلب وماحوله من أغشية علي أنه محتوي الفقه, والعلم, والفهم, والذاكرة, والعاطفة وغير ذلك من القوي التي وهبها الله ـ تعالي ـ للإنسان. كلمة( الصدر) في القرآن الكريم :- جاءت كلمة( الصدر) بمشتقاتها في القرآن الكريم(46) مرة, منها(42) مرة بمعني حاسة في داخل القفص الصدري للإنسان قد تشمل القلب وما حوله من أغشية, ومرة واحدة بمعني الإقبال, وأخري بمعني الإدبار أو الانصراف, وذلك لأن الفعل( صدر) من أفعال الأضداد. ونختار من الآيات القرآنية الكريمة التي وردت فيها كلمة( الصدر) بمعني القلب وما حوله من أغشية ما يلي: (1) اثنتا عشرة آية جاء فيها التعبير القرآني الكريم: إن الله عليم بذات الصدور أو والله عليم بذات الصدور أو إنه عليم بذات الصدور أو وهو عليم بذات الصدور. والمقصود بتعبير( ذات الصدور) محتوي القلوب وما حوله من أسرار في القفص الصدري للإنسان. (2) ﴿قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ...﴾( آل عمران:29). (3)﴿ ...قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْوَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ...﴾ ( آل عمران:118). (4) ﴿...وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْوَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْوَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ ( آل عمران:154). (5)﴿...أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ...﴾( النساء:90). (6)﴿...فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِوَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاًّ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ْ...﴾( الأنعام:125). (7) ﴿...كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ ...﴾(الأعراف:2). (8) قَاتِلُوَهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْوَيُخْزِهِمْوَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْوَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ( التوبة:14). (9) ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدي ورحمة للمؤمنين﴾( يونس:57). (10)﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْوَمَا يُعْلِنُونَ﴾ (النمل:74). من الدلالات العلمية للآية الكريمة:- في هذه الآية الكريمة سبق علمي بأكثر من أربعة عشر قرنا لجميع المعارف المكتسبة, وصورة من صور الإعجاز العلمي في كتاب الله المتمثل في هذا السبق الزمني, وفي نزول هذا الحق العلمي علي نبي أمي ـ صلي الله عليه وسلم ـ وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين, وفي زمن انتفاء وجود أي من وسائل الكشف العلمي المتوافرة اليوم. وإجماع المفسرين علي أن أهم ما في صدر الإنسان هو القلب, وكان السائد عند أهل العلم أن القلب هو مجرد مضخة تدفع بالدم الفاسد إلي الرئتين لأكسدته, ثم تلقي الدم المصفي من الرئتين, وإعادة ضخه إلي مختلف أجزاء الجسم ومن أولها المخ الذي إذا تأخر ضخ الدم المؤكسد إليه لبضع ثوان هلك صاحبه.. ولكن الآية التي نحن بصددها, والتي اتخذناها عنوانا لهذا المقال وأربعا وأربعين آية أخري من آيات الصدور في القرآن الكريم تؤكد أنه لتعبير( ما في الصدور) وظائف أخري غير ضخ الدم واستقباله وإعادة ضخه وقد أثبتت أحدث دراسات القلب صدق ذلك. فقد ثبت مؤخرا أن القلب عضو حيوي بشكل هائل وفعال في جسم الإنسان, وأن كلا من القلب وغشائه البريتوني( الصفاق) يحتويان علي أكثر من أربعين ألف خلية عصبية تشبه خلايا المخ, وأنهما يفرزان كما من الهرمونات إلي تيار الدم المتجه إلي المخ وإلي باقي أجزاء الجسم, فيتم بينهما وبينها نوع من التخاطب, والتنسيق, وأن المخطط الكهربائي للقلب وغشائه هو أكبر بمائة ضعف من المخطط الكهربائي للمخ, وطاقتهما المغناطيسية تفوق طاقة المخ المغناطيسية بخمسة آلاف ضعف, كذلك ثبت أنه كما ينشط المخ بمراكز ذاكرته وحسه بواسطة التغذية الراجعة عبر كل من الشبكات العصبية والدموية, فكذلك القلب وغشاؤه البريتوني ينشطان بنفس الطريقة, وكما أن بالمخ مراكز للشعور, والذاكرة والحس, والتنسيق, والعواطف, والانفعال, واتخاذ القرار, فقد ثبت أن بكل من القلب وغشائه عددا من المراكز لكل ذلك كما أثبت الدكتور بول برسال في مؤلفه المعنون: شيفرة القلب (Pearsall Perusal: The Heart Code )وقد تأكد ذلك بملاحظة أن أحد الأعراض الناتجة عن إجراء العمليات الجراحية بالقلب هو فقد شيء من الذاكرة مما دفع بالعلماء الي الاستنتاج المنطقي بأن القلب هو مستودع الذكريات, كما دفعهم إلي إثارة عدد من الأسئلة المنطقية التي منها: هل يمكن أن يكون لكل من القلب وغشائه البريتوني قدرة علي التفكير, والشعور, والعاطفة, والانفعال, واتخاذ القرار, وتخزين المعلومات القريبة والبعيدة في ذاكرة تشبه تماما ذاكرة المخ إن لم تتفوق عليها؟ وجاءت إجابات أساتذة القلب بكل من جامعة ييل الأمريكية(Yale University), ومعهد هارتمان بولاية كاليفورنيا(Hartman Institute,California)بأن كلا من القلب وغشائه البريتوني يمثلان جهازا فائق التعقيد, يشبه الجهاز العصبي للمخ تماما, وله ذاكرة قصيرة وطويلة الأمد, وله قدرة علي قيادة المخ. وقد تأكدت هذه الاكتشافات بعمليات نقل القلب من إنسان إلي آخر حيث اكتشف أن القلب المنقول يحمل معه من الذكريات, والملكات والمواهب والعواطف, والمشاعر, والهوايات, والخصال, والسجايا, والصفات الذاتية الأخرى الخاصة بالشخص الذي نقل منه القلب, والتي تبدو غريبة كل الغرابة عن الصفات السابقة للشخص الذي تم نقل القلب إليه. وهنا تأتي هذه الآية القرآنية الكريمة التي نحن بصددها, وأمثالها في كتاب الله شهادة صدق علي أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية, في نفس لغة وحيه( اللغة العربية), وحفظه كاملا علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية, وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين بأنه كلام رب العالمين, وشاهدا للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة, فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. |
أدوات الموضوع | |
|
|