للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
تأملات في سورة التكاثر
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:- (( تأملات في سورة التكاثر )) إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يَهْده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين. أما بعد: أيها الإخوة الكرام، لقد تكرَّرَتْ وصايا اللهِ جل وعلا في كتابه الكريم، لعباده المؤمنين، بأن يَنهَجوا في هذه الحياة الدنيا منهج المارِّ بها غيرِ المقيم، منهجَ الذي يَتَّخذ فيها زادًا إلى الدار الآخرة دار القرار، دار الإقامة الدائمة إما في جنة أو في نار. ومن جملة ما جاء التنبيهُ فيه إلى هذه القضايا العظمى، ما نبَّه اللهُ تعالى فيه عبادَه المؤمنين في سورة التكاثر؛ وهي قوله جل وعلا: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 1 - 8] ففي هذه الآية يخبر الله جلَّ وعلا عما وصَل إليه كثيرٌ من الناس بأنهم ألهاهم التكاثر، وبلَغ بهم هذا التكاثر والالتهاءُ به إلى أن يَغْفلوا عما أَوجبَ الله عليهم في هذه الحياة الدنيا حتى وافاهم الموتُ على حين غرَّة، فزاروا القبور، وآلوا إلى دار البرزح التي فيها قرارُهم لوقت محدود، ثم تكون النُّقلة العظمى إما إلى جنة أو إلى نار. وقد جاء في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: ((يقول الله تعالى: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ [التكاثر: 1]، يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟)). قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنا نرى هذا الكلام أو نظنُّه من القرآن، حتى نزل قول الله تعالى: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ [التكاثر: 1]، وهذا الحديث الشريف وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي)) فيه تفسير لهذه الآية الكريمة أو لمطلع هذه السورة العظيمة ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 1، 2]. وهذا أيها الإخوة الكرام يوضِّح حال معظم الناس، كما جاء في الحديث الآخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((لَوْ كَانَ لابْن آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لابْتَغَى إِلَيْهِمَا ثالِثًا، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ تَابَ)). فهذه حال معظم الناس، وهي جِبلَّة في الإنسان كما الله تعالى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20] لكن الشريعة جاءت بتهذيب هذه الغريزة، وهذا التوجه الفطري في الإنسان إلى أن ينظر إلى المال، وإلى هذه الحياة الدنيا أنها يجب أن تُتَّخذ قُربةً إلى الله سبحانه وتعالى، فينفق فيما يحبه الله وفيما يرتضيه جل وعلا، ولذلك كانت هذه السورة مؤكِّدة لهذا المعنى ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 1، 2]، جاء عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله؛ أنَّه قرأ هذه الآية قراءة تدبُّرية ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 2] فقال: إن الزائر غير مقيم فهو يوشك أن يرتحل، فهي والله نُقْلَتُهم إما إلى جنة أو إلى نار. وبمثل هذا فهم أحد الأعراب لما سمع هذه الآية الكريمة ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 2] قال: بُعثوا وربِّ الكعبة إلى منقلبهم الدائم. وهذا أمر معلوم مؤكد في عقيدتنا أهل الإسلام؛ أن بقاء أهل القبور في قبورهم ما هو إلا بقاء مؤقت، ولذلك تسمى هذه الدار دار أهل القبور: دار البرزخ؛ فهي فاصلة بين الحياة الدنيا وبين الحياة الآخرة. ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [التكاثر: 1 - 4]؛ قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: (هذا وَعِيدٌ بعد وعيد)؛ وعيد مِن الله جل وعلا؛ أن الناس سوف يعلمون حقيقة الأمر، ويُشرفون عليه حتى يكون علمًا يقينيًّا لديهم، وحسْبنا بهذا الوعيد عِظةً وعِبرة أيها الإخوة الكرام، فأنتَ لو أنَّ إنسانًا صغيرًا في عمره، أو ضعيفًا في عقله، أو قصيرًا في تقلِّب شأنه قال لك كلامًا يتوعَّدك فيه، أنَّي سوف أرصُدك في طريق كذا وكذا لأقتلك؛ لجعلتَ هذا الوعيد وهذا التوعُّد منه على محمل الجد والاهتمام، فكيف إذا كان هذا الوعيد من الله جل وعلا، الذي بيده كل شيء، وهو سبحانه وتعالى أصدق القائلين؛ ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122] ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87] فالله جل وعلا يتوعد ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [التكاثر: 3، 4]. ثم جاء تفسير هذا الوعيد، وهو قوله جل وعلا: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾ [التكاثر: 5، 6]؛ أي أن عِلم اليقين الذي سيصير إليه الناس؛ أنهم سيرون الجحيم، سيرونها عيانًا؛ وذلك عند بعثهم من قبورهم، ووقوفهم في أرض المحشر للفصل والجزاء في ذلك اليوم العظيم، وحسْبنا أن نعلم أنه في ذلك اليوم العظيم إذا زَفَرَت النار زفرة واحدة خرَّ لها كل ملَك مقرَّب ونبيٌّ مرسل، خرَّ الأنبياء على رُكبهم من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال، على ما جاء بيانه في الأثر الصحيح في هذا الباب. ولذلك حين يكون هذا الحال ينسَى الناسُ الذين تنعموا في هذه الحياة الدنيا كلَّ نعيم مرَّ بهم، وبخاصة إذا عاينوا العقوبة التي آلوا إليها إن كانوا ممن يستحق العقوبة، فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ أنه قال: ((يُغْمس الكافرُ مِن المنعَّمين من أهل الدنيا في النار غمسة، فيقال له: يا ابن آدم هل مرَّ بك نعيمٌ قط، فيقول: لا والله ما مرَّ بي نعيمٌ قط)). أو كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام. وقوله جل وعلا: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8] أي: لتسألنَّ يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك من أنواع النِّعم، هل قابلتم ذلك بشكر الله جل وعلا، وتصريفِ هذه النعم فيما يحبه الله ويرضاه، أم أن الأمر على الضد من ذلك؟ ولكم أن تتأملوا أيها الإخوة الكرام إلى أي حدٍّ سيَبلُغ السؤال في ذلك اليوم، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: ((أول ما يسأل عنه ابن آدم يوم القيامة - أو قال: يسأل ابن آدم يوم القيامة - يقال له: ألم نُصِحَّ بَدَنكَ ونسقيك من الماء البارد؟)). فهذا مِن جملة النعيم الذي يُسأل عنه الإنسان. جاء في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج مرة مِن بيته، خرج جائعًا قد ألمَّ به الجوع الشديد، لم يجد ما يَطعَمه، فخرج فوجد أبا بكر أمامه وقد ناله ما ناله، ثم خرج عمر رضي الله عنه وقد ناله ما نال صاحبيه فقال: انظروا مَن نذهب إليه فنَطعَم عنده يَرفع الله عنا هذا الجوع، فخرجوا إلى أحد الصحابة فقدَّم لهم تمرًا وشيئًا مِن ماء بارد في ظلِّ نخلِه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ((هذا من النعيم الذي تسألون عنه)). فتأمل: أفضل خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضل الخلق من بعده أبوبكر وعمر، يخرجون من الجوع، لا يجدون شيئًا يطعمونه في دورهم، ثم يُيَسِّر الله لهم شربة ماء وشيئًا من تمر، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((هذا من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة)). ولذلك فإن المأمور به للمؤمن أن يكون حريصًا على استثمار كلِّ نعمة يُنعم الله به عليه بشكر الله تعالى، فيلازم الشكر والحمد في كل ما يتجدد عليه من النعم، وفي كل قيام وقعود، وفي كل قيام ورقود، وفي كل الأحوال، جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ أنه قال: ((نِعمتانِ مغْبونٌ فيهما كَثيرٌ مِن النّاس: الصِّحَّةُ والفَراغُ))؛ فالصحة التي يُنعم الله تعالى بها على العبد، والفراغ الذي يجده مع تيسر الأمن وتيسر الصحة وتيسُّر المعايش كل ذلك مما يكون الإنسان فيه مغبون إذا لم يستثمره في طاعة الله جل وعلا. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلَّم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فإن أصدَق الكلام كلام الله، وخير الهدْي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم اعلموا رحمني الله وإياكم؛ أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرَنا إلينا، فالسعيدُ مَن وُعظ بغيره، واستعدَّ للقاء ربه. فكم مِن مؤمِّل غدًا لا يُدركه، وكم مَن يظنُّ أنه يُتمُّ اليوم فلا يتمه، أيها الإخوة الكرام يقول ربنا جل وعلا ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ [لقمان: 34] فالموفق مَن اجتهَد لهذه اللحظة التي تكُون فيها النُّقلة مِن الحياة الدنيا؛ بأن يستعدَّ بالعمل الصالح ويثابر عليه، وأن يجدد توبته في كل لحظة وحين، فالإنسان لا يزال على التقصير في جنب الله، فإنه لا يقوم أحدٌ بشكر نعم الله جل وعلا. يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، وإنما يكون ذلك بملازمة العمل الصالح، وتجديد التوبة حتى يُوافي العبدُ أجلَه ولقاء ربه. ألا وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ خلْق الله محمد، فقد أمرَنا الله بذلك فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق يا رب العالمين. اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نعوذ بك مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شيء قدير. اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارًا. اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. اللهم آتنا في الدنيا حسَنة، وفي الآخرة حسَنة، وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. §§§§§§§§§§§§§§§§ |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
تأملات في سورة القمر | معاوية فهمي إبراهيم مصطفى | الإعجاز فى القرآن والسنة | 0 | 2020-07-11 03:45 PM |