للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الصحابي الجليل عتبة بن غزوان
عتبة بن غزوان رضي الله عنه إنه من بين المسلمين السابقين ، والمهاجرين الأولين إلى الحبشة ، فالمدينة ، ومن بين الرماة الأفذاذ الذين أبلوا في سبيل الله بلاء حسنا .. هذا الرجل الفارع الطول ، المشرق الوجه ، المخبت القلب عتبة بن غزوان رضي الله عنه كان سابع سبعة سبقوا إلى الإسلام ، مبايعين ومتحدين قريش بكل ما معها من بأس وقدرة على الانتقام .. وفي الأيام الأولى للدعوة ، أيام العسرة والهول ، صمد عتبة بن غزوان رضي الله عنه ، مع إخوانه ذلك الصمود الجليل الذي صار فيما بعد زادا للضمير الإنساني يتغذى به وينمو على مر الأزمان. ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة ، خرج عتبة رضي الله عنه مع المهاجرين. بيد أن شوقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعه يستقر هناك ، فسرعان ما طوى البر والبحر عائدا إلى مكة ، حيث لبث فيها بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم حتى جاء ميقات الهجرة إلى المدينة ، فهاجر عتبة رضي الله عنه مع المسلمين. ومنذ بدأت قريش تحرشاتها فحروبها ، وعتبة رضي الله عنه حاملا رماحه ونباله ، يرمي بها في أستاذية خارقة ، ويسهم مع إخوانه المؤمنين في هدم العالم القديم بكل أوثانه وبهتانه. ولم يضع سلاحه يوم رحل عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، بل ظل يضرب في الأرض ، وكان له مع جيوش الفرس جهاد عظيم .. فتـح الأبـلـة أرسله أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إلى الأبلة ليفتحها ، وليطهر أرضها من الفرس الذين كانوا يتخذونها نقطة وثوب خطرة على قوات الإسلام الزاحفة عبر بلاد الإمبراطورية الفارسية ، تستخلص منها بلاد الله وعباده. وقال له عمر رضي الله عنه وهو يودعه وجيشه : ( انطلق أنت ومن معك ، حتى تأتوا أقصى بلاد العرب ، وأدنى بلاد العجم وسر على بركة الله ويمنه ، وادع الى الله من أجابك ، ومن أبى فالجزية ، وإلا فالسيف في غير هوادة ، كابد العدو ، واتق الله ربك ) ومضى عتبة رضي الله عنه على رأس جيشه الذي لم يكن كبيرا ، حتى قدم الأبلة وكان الفرس يحشدون بها جيشا من أقوى جيوشهم. ونظم عتبة رضي الله عنه قواته ، ووقف في مقدمتها ، حاملا رمحه بيده التي لم يعرف الناس لها زلة منذ عرفت الرمي. وصاح في جنده : ( الله أكبر، صدق وعده ) وكأنه كان يقرأ غيبا قريبا ، فما هي إلا جولات ميمونة استسلمت بعدها الأبلة وطهرت أرضها من جنود الفرس ، وتحرر أهلها من طغيان طالما أصلاهم سعيرا ، وصدق الله العظيم وعده . البصرة والإمارة احتط عتبة رضي الله عنه مكان الأبلة مدينة البصرة ، وعمرها وبنى مسجدها العظيم . وأراد أن يغادر البلاد عائدا الى المدينة ، هاربا من الامارة ، لكن أمير المؤمنين رضي الله عنه أمره بالبقاء. ولبث عتبة رضي الله عنه مكانه يصلي بالناس ، ويفقههم في دينهم ، ويحكم بينهم بالعدل ، ويضرب لهم أروع المثل في الزهد والورع والبساطة. ووقف يحارب الترف والسرف بكل قواه حتى ضجره الذين كانوا تستهويهم المناعم وزخرف الحياة الدنيا . هنالك وقف عتبة رضي الله عنه فيهم خطيبا فقال : ( والله ، لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ومالنا طعام الا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا ، ولقد رزقت يوما بردة ، فشققتها نصفين ، أعطيت نصفها سعد بن مالك ، ولبست نصفها الآخر ) كان عتبة رضي الله عنه يخاف الدنيا على دينه أشد الخوف ، وكان يخافها على المسلمين ، فراح يحملهم على القناعة والشظف. وحاول الكثيرون أن يحولوه عن نهجه ، ويثيروا في نفسه الشعور بالامارة ، وبما للامارة من حق ، لا سيما في تلك البلاد التي لم تتعود من قبل أمراء من هذا اطراز المتقشف الزاهد ، والتي تعود أهلها احترام المظاهر المتعالية المزهوة. فكان عتبة رضي الله عنه يجيبهم قائلا : ( اني أعوذ بالله أن أكون في دنياكم عظيما ، وعند الله صغيرا ) ولما رأى الضيق على وجوه الناس بسبب صرامته في حملهم على الجادة والقناعة قال لهم : ( غدا ترون الأمراء من بعدي ) موسم الحج وجاء موسم الحج ، فاستخلف على البصرة أحد اخوانه وخرج حاجا ، ولما قضى حجه ، سافر الى المدينة ، وهناك سأل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يعفيه الامارة. لكن عمر رضي الله عنه لم يكن يفرط في هذا الطراز الجليل من الزاهدين الهاربين مما يسيل له لعاب البشر جميعا. وكان يقول لهم : ( تضعون أماناتكم فوق عنقي ، ثم تتركوني وحدي ، لا والله لا أعفكيم أبدا ) وهكذا قال لـ عتبة بن غزوان رضي الله عنه . ولما لم يكن في وسع عتبة رضي الله عنه الا الطاعة ، فقد استقبل راحلته ليركبها راجعا الى البصرة. لكنه قبل أن يعلو ظهرها ، استقبل القبلة ، ورفع كفيه الضارعتين الى السماء ودعا ربه عز وجل ألا يرده الى البصرة ، ولا الى الامارة أبدا . وفاته واستجيب دعاؤه ، فبينما هو في طريقه الى ولايته أدركه الموت ، وفاضت روحه الى بارئها ، مغتبطة بما بذلت وأعطت ، وبما زهدت وعفت ، وبما أتم الله عليها من نعمة ، وبما هيأ لها من ثواب. |
أدوات الموضوع | |
|
|