للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الصحابي الجليل صهيب بن سنان
صهيب بن سنان رضي الله عنه لقد كان والده حاكم ( الأبله ) وواليا عليهـا لكسرى ، فهو من العرب الذين نزحوا الى العراق قبل الاسلام بعهد طويل ، وله قصـر كبير على شاطئ الفرات ، فعاش صهيب طفولة ناعمة سعيدة ، الى أن سبي بهجوم رومي ، وقضى طفولته وصدر شبابه في بلاد الروم ، وأخذ لسانهم ولهجتهم ، وباعه تجار الرقيق أخيرا لعبد اللـه بن جدعان في مكة وأعجب سيده الجديد بذكائه ونشاطه واخلاصه ، فاعتقه وحرره ، وسمح له بالاتجار معه . اسلامه يقول عمار بن ياسر رضي الله عنه : ( لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقلت له : ماذا تريد ؟ فأجابني : ماذا تريد أنت ؟ قلت له : أريد أن أدخل على محمد ، فأسمع ما يقول قال : وأنا أريد ذلك فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض علينا الاسلام ، فأسلمنا ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا ، ثم خرجنا ، ونحن مستخفيان ) فكان إسلامهما بعد بضعة وثلاثين رجلا .. عرف صهيب رضي الله عنه طريقه الى دار الأرقم .. عرف طريقه الى الهدى والنور ، وأيضا الى التضحية الشاقة والفداء العظيم.. فعبور الباب الخشبي الذي كان يفصل داخل دار الأرقم عن خارجها لم يكن يعني مجرد تخطي عتبة ، بل كان يعني تخطي حدود عالم بأسره.. عالم قديم بكل ما يمثله من دين وخلق ، ونظام وحياة. واقتحام تلك العتبة ، كان ايذانا بعهد زاخر بالمسؤليات الجسام ، وبالنسبة للفقراء ، والغرباء ، والرقيق ، كان اقتحام عقبة دار الأرقم يعني تضحية تفوق كل مألوف من طاقات البشر. وان صهيبا رجل غريب وصديقه الذي لقيه على باب الدار ، عمار بن ياسر رجل فقير ، فما بالهما يستقبلان الهول ويشمران سواعدهما لملاقاته ؟؟ انه نداء الايمان الذي لا يقاوم .. انها شمائل محمد عليه الصلاة والسلام الذي يملؤ عبيرها أفئدة الأبرار هدى وحبا.. انها روعة الجديد المشرق ، تبهر عقولا سئمت عفونة القديم ، وضلاله وافلاسه .. انها قبل هذا كله رحمة الله يصيب بها من يشاء ، وهداه يهدي اليه من ينيب . أخذ صهيب رضي الله عنه مكانه في قافلة المؤمنين ، وأخذ مكانا فسيحا وعاليا بين صفوف المضطهدين والمعذبين ، ومكانا عاليا كذلك بين صفوف الباذلين والمفتدين. و أخذت علاقاته بالناس ، وبالدنيا، بل وبنفسه ، طابعا جديدا. يومئذ امتشق نفسا صلبة ، زاهدة متفانية ، وراح يستقبل بها الأحداث فيطوعها .والأهوال فيروعها. ولقد مضى يواجه تبعاته في اقدام جسور ، فلا يتخلف عن مشهد ولا عن خطر منصرفا ولعه وشغفه عن الغنائم الى المغارم . هجرته الى المدينة ولقد افتتح أيام نضاله النبيل وولائه الجليل بيوم هجرته ، ففي ذلك اليوم تخلى عن كل ثروته وجميع ذهبه الذي أفاءته عليه تجارته الرابحة خلال سنوات كثيرة قضاها في مكة.. تخلى عن كل هذه الثروة وهي كل ما يملك في لحظة لم يشب جلالها تردد ولا نكوص. فعندما هم الرسول بالهجرة ، علم صهيب بها، وكان المفروض أن يكون ثالث ثلاثة ، هم الرسول .. وأبو بكر .. وصهيب .. بيد أن القرشيين كانوا قد بيتوا أمرهم لمنع هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووقع صهيب في بعض فخاخهم ، فعوق عن الهجرة بعض الوقت بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه قد اتخذا سبيلهما على بركة الله.. وحاور صهيب وداور ، حتى استطاع أن يفلت من شانئيه ، وامتطى ظهر ناقته ، وانطلق بها الصحراء وثبا.. بيد أن قريشا أرسلت في أثره قناصتها فأدركوه.. ولم يكد صهيب يراهم ويواجههم من قريب حتى صاح فيهم قائلا : ( يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم والله لا تصلون الي حتى ارمي كل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا ان شئتم ، وان شئتم دللتكم على مالي، وتتركوني وشاني ) ولقد استاموا لأنفسهم ، وقبلوا أن يأخذوا ماله قائلين له : أتيتنا صعلوكا فقيرا ، فكثر مالك عندنا ، وبلغت بيننا ما بلغت ، والآن تنطلق بنفسك وبمالك..؟؟ فدلهم على المكان الذي خبأ فيه ثروته ، وتركوه وشأنه ، وقفلوا الى مكة راجعين ، والعجب أنهم صدقوا قوله في غير شك ، وفي غير حذر ، فلم يسألوه بينة.. بل ولم يستحلفوه على صدقه.. وهذا موقف يضفي على صهيب كثيرا من العظمة يستحقها كونه صادق وأمين .. واستأنف صهيب هجرته وحيدا سعيدا ، حتى أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء.. كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا وحوله بعض أصحابه حين أهل عليهم صهيب ولم يكد يراه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ناداه متهللا : " ربح البيع أبا يحيى .. ربح البيع أبا يحيى " وآنئذ نزلت الآية الكريمة : (( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد )) أجل لقد اشترى صهيب نفسه المؤمنة ابتغاء مرضات الله بكل ثروته التي أنفق شبابه في جمعها، ولم يحس قط أنه المغبون.. فما المال ، وما الذهب وما الدنيا كلها ، اذا بقي له ايمانه ، واذا بقيت لضميره سيادته.. ولمصيره ارادته..؟؟ صورة ايمانه يتحدث صهيب رضي الله عنه عن ولائه للاسلام فيقول : ( لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط ، الا كنت حاضره ، ولم يبايع بيعة قط الا كنت حاضرها ، ولم يسر سرية قط الا كنت حاضرها ، ولا غزا غزاة قط ، أول الزمان وآخره ، الا كنت فيها عن يمينه أو شماله ، وما خاف المسلمون أمامهم قط ، الا كنت أمامهم ، ولا خافوا وراءهم ، الا كنت وراءهم ، وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدو أبدا حتى لقي ربه ) وكان الى جانب ورعه خفيف الروح ، حاضر النكتة ، فقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل رطبا ، وكان باحدى عينيه رمد ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ضاحكا : " أتأكل الرطب وفي عينيك رمد " فأجاب قائلا : ( وأي بأس ؟ اني آكله بعيني الأخرى ) الخصال الثلاث قال عمر لصهيب رضي الله عنهما : ( أي رجل أنت لولا خصال ثلاث فيك ) قال وما هن ؟ ) قال : ( اكتنيت وليس لك ولد ، وانتميت إلى العرب وأنت من الروم ، وفيك سرف في الطعام ) قال صهيب : ( أما قولك : اكتنيت ولم يولد لك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى ، وأما قولك : انتميت إلى العرب وأنت من الروم ، فإني رجل من النمر بن قاسط ، سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام قد عرفت نسبي ، وأما قولك : فيك سرف في الطعام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خياركم من أطعم الطعام " فضله - قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليحب صهيبا حب الوالدة لولدها " - وقال صلى اللـه عليه وسلم : " لا تبغضوا صهيبا " - وقال صلى اللـه عليه وسلم : " السباق أربعة ، أنا سابق العرب ، وصهيب سابق الروم ، وسلمان سابق الفرس ، وبلال سابق الحبش " - ولئن كانت حياة صهيب مترعة بالمزايا والعظائم ، فان اختيار عمر بن الخطاب رضي الله عنه اياه ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألفة وعظمة.. فعندما اعتدي على أمير المؤمنين وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر.. وعندما احس نهاية الأجل ، فراح يلقي على اصحابه وصيته وكلماته الأخيرة قال : ( وليصل بالناس صهيب ) لقد اختار عمر يومئذ ستة من الصحابة، ووكل اليهم أمر الخليفة الجديد وخليفة المسلمين هو الذي يؤمهم في الصلاة ، ففي الأيام الشاغرة بين وفاة أمير المؤمنين ، واختيار الخليفة الجديد ، من يؤم المسلمين في الصلاة. ان عمر رضي الله عنه وخاصة في تلك اللحظات التي تأخذ فيها روحه الطاهرة طريقها الى الله ليستأني ألف مرة قبل أن يختار .. فاذا اختار ، فلا أحد هناك أوفر حظا ممن يقع عليه الاختيار.. ولقد اختار عمر صهيبا .. اختاره ليكون امام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد ، بأعباء مهمته.. اختاره وهو يعلم أن في لسانه عجمة ، فكان هذا الاختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح صهيب بن سنان.. وفاته توفي في المدينة في شوال عام ( 38 هـ ) |
أدوات الموضوع | |
|
|