للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
مشاهد من الحياة الزوجية لدى الصحابة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :- (( مشاهد من الحياة الزوجية لدى الصحابة )) لا بُدَّ للرجلِ من المرأةِ، ولا بُدَّ للمرأةِ من الرجلِ، هكذا شاءَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -، فإذا قُدِّرَ لهما اللقاءُ والانسجامُ عاشا حياةً سعيدة رضيّة، وإذا لم ينسجما عانى كلُّ واحدٍ من الآخرِ العنتَ والرَّهقَ، على قدْرِ ما فاتهما من الانسجام، وقد يكون الزوجُ هو الظالم، وقد تكونُ هي، ورُبَّما كان الاثنان ظالمَيْن. والانسجامُ نعمة مِنْ نعم الله الكبرى، قد يكون موهوبًا، وقد يكون مكتسبًا، وحريٌّ بالإنسان -رجلاً كان أو امرأة- أنْ يسعى لتحصيلهِ. وللحياةِ الزوجيّةِ -في بيوت الخاصة والعامة- تاريخٌ طويلٌ لم يُكتبْ بعد. ولعل من المفيد أن نأخذَ نماذجَ مِنْ الحياةِ الزوجيّةِ مِنْ جيلِ الصحابة، لنتعلَّمَ منها، ونستهدي، ونسترشد: ♦ ♦ ♦ ♦ أخرج البخاري بسندهِ عن أبي جُحيفة -رضي اللهُ عنه- قال: "آخى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين سلمان [الفارسي] وأبي الدرداء، فزار سلمانُ أبا الدرداء، فرأى أمَّ الدرداء متبذلة، [في لباس العمل] فقال لها: ما شأنكِ؟ قالتْ: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا. فجاء [سلمانُ] أبا الدرداء، فصنعَ له طعامًا، فقال: كُلْ فإني صائمٌ، قال [سلمان]: ما أنا بآكلٍ حتى تأكلَ، فأكلَ. فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداء يقومُ، فقال سلمان: نَمْ، فنامَ، ثم ذهبَ يقومُ، فقال: نَمْ. فلما كان آخرُ الليل قال سلمانُ: قُمْ الآن. قال: فصلَّيا. فقال سلمانُ: إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. فأتى أبو الدرداء النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكرَ ذلكَ له، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: صدقَ سلمانُ". ومِنَ المناسب هنا أنْ أذكرَ نبذةً عن أبي الدرداء، فهو عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي، قيل: إنَّ إسلامَه تأخرَ إلى يوم بدر، ثم شهدَ أحدًا، وأبلى حينئذٍ بلاء حسنًا، وحفظ القرآنَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأصبح عالمَ أهلِ الشام، ومقرئَ أهلِ دمشق، وفقيهَهم، وقاضيَهم، مات سنة (32هـ). كان إمامًا ربانيًّا، وكان يُقالُ: هو حكيم هذه الأمة. ♦ ♦ ♦ وما جرى له مع زوجتهِ أم الدرداء يبدو أنه كان في بدايات إسلامه، وأنه اشتغلَ بالعبادة عن حظِّ نفسهِ، وحقِّ زوجتهِ، حتى نبَّههُ سلمانُ إلى رعاية جميع الحقوق المُترتبة عليه، مِنْ حقِّ اللهِ إلى حقِّ نفسهِ، إلى حقِّ زوجتهِ التي عبَّرتْ عنه أحسنَ تعبيرٍ وأوجزَهُ وأكناه إذ قالتْ: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا! وفي تصديقِ النبي صلى الله عليه وسلم لمقولةِ سلمان: (إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقَّهُ) انتصارٌ بالغٌ لأمِّ الدرداء، ولكلِّ امرأةٍ مِنْ بعدها، فإنَّ للمرأة حقًّا يَجبُ أن يُرعى، ويُحترمَ، ويُقدَّرَ. وقد وعى أبو الدرداء هذا، وسما حتى أصبحَ حكيمَ هذه الأمة، وهل الحكمةُ إلا وضعُ الأمور مواضعَها، وهو ما قاله له سلمانُ: "فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه"؟ ♦ ♦ ♦ ♦ وننتقل إلى لقطاتٍ من حياة صحابي جليل آخر، وصفه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنه أعلم الأمة بالحلال والحرام، لنرى شيئًا مِنْ علمهِ المُهمِّ هذا في حياتهِ الزوجيةِ، ذلك هو معاذُ بنُ جبل: يروي الإمامُ ابن أبي الدنيا عن يحيى بن سعيد قال: "كان لمعاذٍ امرأتان، إذا كان يومُ هذه لم يتوضأ عند تلك"! أقول: ما هذه الدقة في الحرص على المعاملة العادلة بين الضرَّتين؟ وليس هذا فحسب، بل يزيد الراوي قائلًا: "فماتتا في طاعونٍ أصابهم في يومٍ واحدٍ، فقدَّمَهما إلى الحُفرة، ثم أقرعَ بينهما أيهما يُدْخِلُ الحفرة قبل الأخرى، ثم حفرَ ودفنَهُما[1] جميعًا في حفرةٍ واحدةٍ"[2]. إنَّ هذا الموقفَ الدقيقَ يدلُّ على نفسٍ حذرةٍ خائفةٍ وعتْ حقَّ المرأة حتى بعد موتها، ولا غرابة في هذا، فتلك نفوسٌ صنعها الإسلامُ، بما أمرَ بهِ مِنْ مراقبةِ الله، والتنفيرِ من الظلم، وإقامةِ العدل بين الناس: أقرباءَ كانوا أم غرباءَ... ♦ ♦ ♦ ♦ وفي هذا السياق أيضًا ما يرويه ابنُ أبي الدنيا عن علي بنِ ربيعة قال: "كان لعلي [بن أبي طالب رضي اللهُ عنه] امرأتان -وذلك بعد وفاة السيدة فاطمة رضي اللهُ عنها- فإذا كان يومُ هذه اشترى لحمًا بنصفِ درهمٍ، وإذا كان يومُ هذه اشترى لحمًا بنصفِ درهمٍ"[3]. وحقًّا بمثلِ هذه المعاملة العادلة تعيشُ الضرَّتان بلا مضارةٍ ولا شقاقٍ، ويأمنُ الزوج مِنْ عذابِ الدنيا، وحسابِ الآخرة. ترى ما أحوجَ الأزواجَ أولي الضرائر أنْ يتعلموا مِنْ هذه المشاهدِ الرائعة، وأنْ يتمثلوها، ويطبقوها في حياتهم التي أرهقتْها المشكلاتُ، ونالتْ منها التبعات، ووسمَتْها المُنازعاتُ بميسمٍ من نار؟! ♦ ♦ ♦ ♦ وإلى مشهدٍ آخرَ طريفٍ رائعٍ في حياة صحابيٍّ جليلٍ آخر، ذلك هو العِرْباضُ بنُ سارية: روى الامامُ ابن أبي الدنيا كذلك بسندهِ إلى العِرْباض أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سقى امرأتَهُ الماءَ أُجِرَ". قال العِرْباضُ: "فسقيتُ امرأتي ماءً، ثم أخبرتُها بما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم"[4]. فتأمَّلْ - أخي القارئ - في هذا المشهدِ ما أجملَه وما ألطفَه! رجلٌ يسقي امرأتَهُ الماء، ولا يجدُ في ذلك غضاضةً ولا حرجًا، ولِمَ يجدُ الغضاضةَ والحرجَ وهو يقومُ بأمرٍ ندبَ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم؟ إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحضُّ على هذا العمل يُريدُ أن يربط بين المرأة وزوجها برباطِ الحُبِّ، ويُريدُ من الزوج أنْ يعلن عن هذا الحُبِّ بمظاهرَ تأسرُ قلبَ المرأة، وتجعلُها تعيشُ أجواء الفرحة والبهجة والأنس. وليس شربة الماء فقط هي التي ندَبَ إليها رسولُ السلام، والمحبةِ والوئام، فلنسْمَعْ إلى ما يرويه سعد بنُ أبي وقّاص أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنك لنْ تنفقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلا أُجِرْتَ عليها، حتى في اللقمة ترفعُها إلى في[فم] امرأتِك"[5]. وتخيَّلْ زوجين على مائدةِ الطعام يُطعم أحدُهما الآخر، وتخيَّلْ مدى السعادةِ التي تُظللُ تلك المائدة! [1] في كتاب "العيال" المطبوع: "ثم عفر درقهما"! ولعل الصوابَ ما أثبتُّ. [2] كتاب العيال (2 /703)، و(2 /705). [3] كتاب العيال (2 /702). [4] كتاب العيال (2 /694). [5] أخرجه الشيخان، وغيرهما. §§§§§§§§§§§§§§§§§§§ |
أدوات الموضوع | |
|
|