للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس)
سمعت دروس السيرة النبوية التي قدمها الشيخ عثمان الخميس حفظه الله فأعجبتني كثيرا فأردت تفريغها للإستفادة والنفع سائلة المولى أن يجزي الشيخ عثمان الخميس خير الجزاء وأن يجعل بحثه هذا في ميزان حسناته، فبحثه هذا جليل قيم ، إذ اتبع فيه الشيخ منهجية بحثه وترتيب أحداث سيرة النبي على كتاب الرحيق المختوم للشيخ صفي الرحمن المباركفوري ، لكنه قام فيه بشرح وإضافة بعض الأحاديث والأحداث ، وحذف البعض منها. إذ أن الواحد منا سيلم بسيرة خير البشر صلوات الله وسلامه عليه . وسيكون بإذن الله على شكل سلسلة متتابعة في هذا الموضوع . مع العلم أني قمت ببعض التغيير إذ يقتضي الأمر ذلك ، إذ أحاول وضع شرحه الذي يكون بالعامية بين قوسين ورددته بالعربية وحذف بعض الكلامإذا كان فيه إعادة : بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبي المرسلين سيد الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فإن الحديث عن سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يبعث في النفس الحياة ويعيد لها الأمل وذلك أنه من يقرأ سيرة سيد المرسلين يقرأ الدعوة إلى الحق والصبر فيها ولها ويقرا الحلم والأخلاق المتميزة والعبادة الكاملة والبذل والجهاد ، إنه يقرأ الحياة كلها ، يقرأ الحياة التي يجب أن يعيشها المسلم . وسنحاول من خلال هذه الدروس التعرف على حياة سيدنا وإمامنا وقدوتنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم . نسبه هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم ابن عبد مناف ابن قصي ابن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي ابن غالب ابن فهر ، و فهر هذا هو قريش وكل قرشي فهري ، وهو صلى الله عليه وسلم مضري أي يرجع نسبه إلى مضر ثم إلى عدنان من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم "رواه الإمام مسلم في صحيحه. وجد النبي صلى الله عليه وسلم الخامس عبد مناف كان على المشهور له أربعة من الولد ، وهم : هاشم ، والمطلب ، وعبد شمس ، ونوفل . فرسولنا صلى الله عليه وسلم يرجع نسبه إلى هاشم ، هو محمد بن عبد الله بن المطلب بن هاشم ابن عبد مناف . وهاشم هذا اسمه عمرو ولقب بهاشم لأنه كان يهشم الخبز ، أي يكسره ويقطعه ويقدمه للحجاج ، وهو أول من أطعم الثريد للحجاج ، والثريد هو الخبز مع اللحم ، وهو أول كذلك من سنّ الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف ، ولذلك قال الشاعر : عمرو الذي هشم الثريد لقومه *** ورجال مكة مسنتون عجاف سنّت إليه الرحلتين كــــلاهما*** سفر الشتاء ورحلة الأصياف وكان لهاشم ولدان : أحدهما عبد المطلب والثاني أسد . وعبد المطلب لقب كذلك ، واسمه شيبة الحمد ، وإنما لقب بعبد المطلب لأنه كان عند أخواله بني النجار في المدينة لما توفي والده وذلك أن هاشم كان متزوجا من بني النجار من أهل المدينة وترك ولده شيبة الحمد عند أخواله ومات هاشم وشيبة الحمد ولده عند أخواله ، بعد موته ذهب المطلب أخو هاشم عم شيبة الحمد ذهب إلى المدينة وأتى بابن أخيه ليكون عند أعمامه فلما دخل به مكة ظن أهل مكة أنّه عبد اشتراه المطلب فقالوا : هذا عبد المطلب . فقال لهم المطلب : لا إنما هو ابن أخي هاشم . ولكن غلب عليه عليه ذلك اللقب وصار لا يسمى إلا عبد المطلب . ... يتبع |
#2
|
|||
|
|||
كما نسيت أن أنبه على أن عنونة مواضيع وأحداث السيرة النبوية للشيخ عثمان الخميس قد اعتمدت على كتاب الرحيق المختوم.
الحادثتين التي وقعتا في عهد عبد المطلب وعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وقعت في زمنه واقعتان لم يغفلهما التاريخ ولا بد من التنبيه عليهما . الأولى : حفر زمزم . وذلك أنه كما هو معلوم ، أن الله تبارك وتعالى قد امتن على هاجر أم إسماعيل ، وولدها إسماعيل عليه الصلاة والسلام بأن أوجد لهما زمزم. ثم مرت السنون تلو السنون حتى خفيت معالم زمزم . وقد ذكر أن عبد الله بن المطلب كان نائما يوما ما ، فرأى في المنام أنه يؤمر بخفر زمزم ، ودُلّ على مكانها في النوم ، فقام إلى المكان الذي أُمر بحفره في المنام ، فحفره فوجد الماء ثم أقام بعد ذلك بسقاية الحاج . والحادثة الثانية: التي تذكر في ذلك الزمن هي مجيء أبرهة الحبشي لهدم الكعبة. وقصة أبرهة كما ذكرها أهل العلم هي كما يلي: وذلك أنّ أبرهة الحبشي بنى كنيسة عظيمة بصنعاء لم ير في زمانها مثلها وكتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك، ولست بمُنْْتَهٍ حتى أصرف إليها حجّ العرب . (يعني يريد أن يضاهي بها مكة) . فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي، غضب رجل من كنانة فخرج هذا الكناني حتى دخل الكنيسة في وقت لم يره أحد فجاء وقعد وأحدث في الكنيسة ( أحدث أي تبرز داخل هذه الكنيسة ) ، فلما أُخبِر أبرهة بذلك، قال :من صنع هذا . فقيل له : صنعه رجل من العرب بمكة لما سمع بقولك أنك تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك هذا. فغضب وفعل ما فعل ( وهنا لا بد من التنبيه على نقطة مهمة ، لا شك أن هذا الرجل سمع بمنكر، وهو أن أبرهة أراد أن يصرف حج العرب من مكة إلى هذه الكنيسة ، فغضب لأجل هذا الأمر فأنكر ذلك المنكر بأن لطخ الكنيسة بالعَذَرَة وهذا في مقابله أوجد عند أبرهة غضبا شديدا وهو أنه عزم بعد ذلك على هدم الكعبة ، وهذا الذي نصّ عليه أهل العلم ، وهو أنّه لا يجوز إنكار المنكر بإيقاع منكر أعظم منه، بل لابد أن يكون إنكار المنكر بحيث لا يقع بعد ذلك ، أو على أثره منكر أعظم منه). الشاهد : أن أبرهة غضب لهذا الفعل وحلف ليَسِيرنَّ إلى البيت حتى يهدمه ، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار بستين ألف وخرج معه الفيلة ، والعرب لا تعرف الفيلة في ذلك الوقت . فخرج بالفيلة ويذكر أن رئيس الفيلة فيل يقال له محمود . فلما تجهز وسار سمع العرب بذلك فأعظموه ، و فَضَعوا به ، ورأوا جهاده حقا عليهم ، وذلك أنهم يعظمون البيت الحرام ، وإن كانوا على الشرك ولكنهم كانوا يعظمون بيت الله تبارك وتعالى . فلما سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة عزموا على مقابلته ، فكان ممن قابله رجل من أهل اليمن يقال له نَفَر ، فدعا قومه وممن أجابه من العرب إلى حرب أبرهة ، ولكن أبرهة هدم ذا نفر وأصحابه وأسره معه ، ثم مرّ بالطائف فخرج إليه مسعود بن معكف الثقفي فقال له : أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف ولكن بيتنا هذا البيت الذي تريد – يعنون اللات –إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدُلُّك عليه فتجاوز عنا .( أي أهل ثقيف قالوا له طالما أنك لا تريد اللات أي الصنم التي يعبدونها ، لا تريد اللات الأمر إليك تريد الكعبة فاهدم الكعبة ، طالما أنك لا تريد أن تأذينا وإن شئت أرسلنا معك من يدلك على الطريق ) فبعثوا له رجلا يقال له أبو رِغال يدله على الطريق . فخرج أبرهة ومعه أبو رُغال أو أبو رِغال حتى نزلا بالمغمس مكان قريب من مكة فلما أنزله به مات أبو رغال هناك ، فبعد ذلك رجم العرب قبر أبي رغال . وذلك يرون أن هذا الرجل كان رجل سوء لأنه كان دليلا لأبرهة إلى هدم بيت الله الحرام ولذلك يقول جرير عن الفرزدق لأنهما كانا يتهاجيان وبينهما نفرة . يقول جرير : إذا مات الفرزدق فارجموه *** كرجمكموا لقبر أبو رغال قال ابن إسحاق : فلما نزل أبرهة بالمغمس بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود ، على خيل له حتى أتى إلى مكة فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان في ذلك الحرم لقتاله ، ثم عرفوا أن لا طاقة لهم لقتال أبرهة . وبعث أبرهة رجلا يقال له حناطة إلى مكة وقال : سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثم قل له أن الملك يقول : إني لم آت لحربكم وإنما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا لنا دونه فلا حاجة لي بدمائكم ،فإن هو لم يرد حربي فأتني به (أبرهة أولا أخذ أموال قريش التي كانت قريبة من مكة وكان ضمن هذه الأموال مائتا ناقة لعبد المطلب ، ثم بعد ذلك أرسل رسولا إلى أهل مكة يقول لهم إني لم آت لقتالكم وإنما جئت لأهدم الكعبة، فإن تركتموني والكعبة هدمتها ورجعت ، وإن قاتلتموني ومنعتموني قاتلتكم وقتلت منكم من قتلت ثم قال لهذا الرجل الذي أرسله وهو حِناطة قال له ثم اتني بسيدهم لأراه ) فجاء حِناطة وكلم قريش بما قال أبرهة ، فخرج معه عبد المطلب لأنه كما قلنا كان سيد قريش في ذلك الزمان ، فلما دخل عبد المطلب على أبرهة احتار أبرهة ماذا يفعل وذلك أنه أراد أن يكرم عبد المطلب . قال إن أجلسته معي على عرشي كان في هذا منقصة لي ، وإن تركته وأنا على العرش كان في ذلك منقصة له ، فنزل عن عرشه وجلس مع عبد المطلب على الأرض .فأول ما كلمه قال لعبد المطلب : ماذا تريد . قال : لقد أخذتم مائتين من الإبل لي فأعيدوه ، فغضب أبرهة وقال : لقد ظننتك أكبر من هذا وأعظم من هذا ، ثم جئتني تسألني عن إبلك ولا تطلب مني أن أرجع عن البيت وأن لا أهدمه . فقال عبد المطلب قولة (يعني كانت في وقتها حساسة جدا وصارت بعد ذلك مضربا للأمثال ) قال عبد المطلب :أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه . فقال أبرهة :ما كان ليمتنع مني (أي هذا البيت ما كان ليمتنع مني ) قال : أنت وذاك .فقال أبرهة : ردوا عليه إبله . فلما رجع عبد المطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر وقال لهم : اخرجوا من مكة فلا طاقة لكم بقتال أبرهة . فخرجوا إلى الجبال ثم قام عبد المطلب وأخذ بحلقة الباب ،(باب الكعبة ) وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، وقال عبد المطلب : اللهم إِنَّ العبد يَمْنَعُ ... رَحْلَهُ فَامْنَعْ رحالَكْ لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ عَدْوًا مِحَالَكْ إِنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَقِبْلَتَنَا ... فَأْمُرْ مَا بَدَا لَكْ ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب وانطلق ومن معه إلى الجبال يتحرزون فيها ينتظرون ماذا يفعل أبرهة ، فلما أصبح أبرهة وتهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعد جيشه ، فلما وجهوا الفيل إلى مكة برك ولم يمش معهم فقالوا ما منع الفيل . قالوا لاندري . قال : اضربوه . فضربوا الفيل فأبى ، فوجهوه إلى اليمن فقام ، فوجهوه إلى الشام فقام ، فوجهوه إلى المشرق فقام ، فوجهوه إلى مكة فبرك . ثم بعد ذلك فوجئوا بأن أرسل الله تبارك وتعالى عليهم الطير الأبابيل كما قال الله تبارك وتعالى ،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، باسم الله الرحمن الرحيم :" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)" نعم هكذا أرسل الله تبارك وتعالى الطير الأبابيل ورمت أبرهة ومن معه بحجارة من سجين فأهلكهم الله تبارك وتعالى جميعا ، وقيل أنه بقي منهم بعضهم حتى يخبروا قومهم بما فعل الله تبارك وتعالى بهم . هذه هي الحادثة الثانية التي كانت في زمن عبد المطلب . |
#3
|
|||
|
|||
عبد المطلب وعشرة من الولد:
ويذكر أن عبد المطلب كان له عشرة من الولد وهم :حمزة، والعباس ،وهذان أسلما رضي الله عنهما . وكان له كذلك من الولد : أبو طالب ، وأبو لهب وهذان لم يسلما وعنده من الولد كذلك : الحارث ،والزبير والغيداق ، والمقوم ، وصفار ، وعبد الله ، وهو والد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء لم يدركوا بعثة النبي صلى الله عليه وسلم . فأعمام النبي صلى الله عليه وسلم أو أولاد عبد المطلب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام . قسم أدرك الإسلام فدخل فيه وهما : حمزة ،و العباس . وقسم أدرك الإسلام ولم يدخل فيه وهما : أبو طالب وأبو لهب . وقسم لم يدرك الإسلام وهم بقية أولاد عبد المطلب . وأما عمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن ستة : البيضاء ويقال لها أم حكيم ، وصفية ، وعاتكة ، وبرة ،وأروى ، وأميمة . وعلى المشهور على أن عبد المطلب كان قد نذر لئن رزقه الله تبارك وتعالى عشرة من الأولاد ، ليذبحن أحدهم قربة لله تبارك وتعالى . فذلك يذكر أنه لما حفر زمزم منعته قريش من أخذها له فلم يكن له ولد يمنعه، فغضب لأجل هذا وقال لئن رزقني الله عشرة من الولد لأذبحن أحدهم (نذر لئن رزقه الله عشرة من الولد ليذبحن أحدهم ) فرزقه الله تبارك وتعالى أولئك الأولاد فأراد أن يوفي بنذره ، فعمل قرعة فوقعت القرعة على ولده عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أراد أن يذبحه قامت إليه قريش فمنعته فقال عبد المطلب : فكيف أصنع بنذري . فأشاروا عليه بأن يأتي العرّافة فيسألها . فأمرته أن يقرع بين ولده عبد الله وعشر من الإبل ، فقرع فوقعت القرعة على عبد الله . فقالت له : زد عشرا. فزاد عشرا من الإبل ، فوقعت القرعة على ولده عبد الله . فقالت زد عشرا . وهكذا كلما زاد عشرا من الإبل كانت القرعة تقع على ولده عبد المطلب حتى بلغت الإبل مائة. فعمل القرعة فوقعت القرعة على الإبل عند ذلك قام عبد المطلب فنحر الإبل ثم تركها لا يرد عنها أحد من البشر أو السباع . فكانت الدية عند العرب في ذلك الوقت عشرة من الإبل وبعد هذه الحادثة صارت الدية عند العرب مائة من الإبل والإسلام أقرها فالدية الآن في دين الله تبارك وتعالى مائة من الإبل . |
#4
|
|||
|
|||
مولد النبي صلى الله عليه وسلم:
وفي يوم الاثنين كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :"يوم الاثنين يوم ولدت فيه " . ولد سيد البشرية صلوات الله وسلامه عليه في شهر ربيع الأول على المشهور. امتن الله تبارك وتعالى على البشرية بولادة سيد المرسلين إمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وذلك بعد حادثة الفيل بأشهر ، وذلك في مكة المكرمة وكانت ولادته صلوات الله وسلامه عليه ولادة معتادة لم يتمكن المؤرخون ،كما يذكر أهل العلم من تحديد يوم مولده، وشهره على وجه الدقة. أما يوم المولد من أيام الأسبوع فهو يوم الاثنين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن في أي اثنين الله أعلم. قيل في التاسع من الربيع الأول ، وقيل في الثاني عشر ،وقيل غير ذلك ، وقيل في رمضان ولكن في المشهور أنه في الثاني عشر من ربيع الأول ، وأغلب الآراء كما قلنا على أنه في الثاني الثاني عشر من ربيع الأول، ولكن تحديد يوم ميلاده صلوات الله وسلامه عليه لا يرتبط فيه شيء من الناحية الشرعية . وأما ما يقوم به كثير من الناس في كثير من بلاد المسلمين من الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه عمل غير صالح وذلك لأمور منها . أولا:إنه لا يعرف يوم مولده على الدّقة صلوات الله وسلامه عليه . ثانيا:لم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم بيوم مولده في حياته أبدا مع أنه عاش ثلاثا وستين سنة صلوات الله وسلامه عليه . ثالثا: لم يحتفل الصحابة ولا التابعون ولا الأئمة المتبعون وغيرهم من العلماء بيوم مولده فإن كان خيرا لسبقونا إليه. ثم رابعا:إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بذلك مع أنه قال :"ما تركت خيرا يقربكم إلى الله والجنة إلا وقد أمرتكم به " فلما لم يأمرنا به صلوات الله وسلامه عليه من الأمور الشرعية فليس بخير ، فالخير كل الخير في الإتباع والشر كل الشر في الابتداع . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ، أي مردود على صاحبه" . |
#5
|
|||
|
|||
الرضاعة والمنشأ: لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم أول من أرضعته ثويبة، وهي مولاة عمه أبي لهب ، وكانت ثويبة هذه قد أرضعت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عمه حمزة ،ولذلك حمزة رضي الله عنه يكون أخا للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أمهما جميعا ثويبة مولاة أبي لهب . ولم يدم هذا الأمر طويلا ، وذلك أنه كان من عادة العرب أنهم يلتمسون المراضع لأولادهم ،[ أي المرضعات] ، فكان العرب يحبون أن تأتي المرضعة من خارج مكة فتأخذ الوليد فترضعه لمدة سنتين ثم تفطمه وتعيده إلى أمه . ونترك حليمة السعدية تذكر لنا قصتها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، تقول حليمة السعدية : إنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء . قالت : وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا (شهباء يعني ما في زرع ولا ماء ) قالت : فخرجت على أتان لي قمراء (الأتان هو الحمار. قمراء يعني بيضاء) تقول :معنا شارف لنا (و الشارف هي الناقة ) تقول: والله ما تبض بقطرة (يعني ما فيها حليب أبدا ) وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع ، والله ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه ، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج . تقول : فخرجت على أتاني تلك حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه ، وذلك إذا قيل لها أنه يتيم ، وذلك كنا نرجو المعروف من أب الصبي. فكنا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده ، فنكرهه لذلك . تقول فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري . فلما أجمعنا على الانطلاق (أي عزمنا على الرجوع ) قلت لصاحبي (أي زوجها) إني أكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلأخذنّه .قال :لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل فيه بركة . [سبحان الله هذه المسكينة حليمة السعدية لا تدري أنّ الخير والبركة كلها عند هذا اليتيم صلوات الله وسلامه عليه]. الشاهد : تقول: فرجعت إليه فأخذته فما حملني على أخذه إلا أنني لم آخذ غيره . قالت : فلما أخذته رجعت به إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري أقبلا عليه ثدياي بما شاءا من لبن ، فشرب حتى روي وشرب معه أخوه (أي ولدها )حتى روي ثم ناما . تقول : وما كنا ننام معه قبل ذلك من بكاء الولد . تقول :وقام زوجي إلى شارفنا تلك[ أي الناقة] فإذا هي حافل (أي مملوءة لبنا ضرعها مملوء لبنا) تقول: فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا ، فبتنا بخير ليلة . تقول:فقال لي صاحبي(أي زوجها) حين أصبحنا :تعلمي والله يا حليمة قد أخذت نسمة مباركة. قالت:فقلت: والله إنني لأرجو ذلك .قالت :ثم خرجنا فركبت أتاني وحملته عليها معي (أي حملت النبي صلى الله عليه وسلم)تقول:فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حمرهم (أي سبقتهم في المسير) حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا بنت أبي ذؤيب ويحكِ أربعي علينا (يعني لا تسرعين انتظرينا) أربعي علينا أليست هاته أتانك التي كنت خرجت عليها ؟ فأقول لهن: بلى والله إنها لهي هي .فيقلن :والله إن لها شأنا . قلت :ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد فلا أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها (يعني قاحلة ليس فيها زرع ولا ماء) تقول :فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا بها معنا شباعا لبنا (أي الغنم تخرج ثم ترجع فإذا هي شبعانة وفيها لبن ) فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن (لأن الأرض جدباء). تقول : ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ،فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعا لبنا ، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مرت سنتاه وفصلته (أي فطمته أي فطمت النبي صلى الله عليه وسلم ) تقول:وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا (أي قويا ظاهرا) قالت:فقدمنا به على أمه [لأن بينهم وبين أمه وعد بعد سنتين يعيدان إليها النبي صلى الله عليه وسلم ].تقول: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا ،(في البداية ما تريده الآن تريده صلوات الله وسلامه عليه) تقول:فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته ، فكلمنا أمه وقلنا لها لو تركت ابني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة قالت : فلم نزل بها حتى ردته معنا .(هي ما تريد النبي صلى الله عليه وسلم لأنها تخشى عليه وباء مكة ولكن تريده لما رأت الخير كله عند النبي صلى الله عليه وسلم ،فهي لا تخشى عليه الوباء ولكنها تريده لما رأت عليه من الخير عند مجيئه صلى الله عليه وسلم ) تقول:فما زلت بها حتى ردته معنا . |
#6
|
|||
|
|||
حادثة شق الصدر:
وهكذا بقي النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد حتى إذا كانت السنة الرابعة من عمره أو الخامسة وقع حادث غريب عجيب ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه ،فشق عن قلبه ،فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة .قال :هذا حظ الشيطان منك،ثم غسله (أي القلب) في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه أي أعاده إلى مكانه ،وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني حليمة قالوا:إن محمدا قد قتل لأنهم رأوا الملك جاء إليه وشق صدره وأخرج قلبه( قُتِل)، فخرجت حليمة مع زوجها ينظرون إلى مقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجدوه قائما صلوات الله وسلامه عليه ولكنه منتقع اللون (لأن هذا الأمر غريب بالنسبة إليه صلوات الله وسلامه عليه ، وهذه آية من آيات الله تبارك وتعالى والله جل وعلا على كل شيء قدير سبحانه وتعالى). رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه: عند ذلك خافت حليمة على النبي صلى الله عليه وسلم فردته إلى أمه، وبقي عند أمه إلى أن بلغ السادسة من عمره ، وذلك أنه لما بلغ السادسة من عمره خرجت أمه به لتزور قبر والده ( ونسيت إلى أن أنبه أن والد النبي صلى الله عليه وسلم قد مات وهو في بطن أمه ، لم ير والده قط وإنما ولد يتيما صلوات الله وسلامه عليه ،وذلك في الطريق من الشام إلى المدينة إلى مكة فمات هناك ودفن) . وفاة أمه ثم جده صلوات الله وسلامه عليه: في السنة السادسة من عمر النبي صلى اله عليه وسلم خرجت به أمه لتزور قبر أبيه ، فزارت قبر أبيه وكان معها في سفرها هذا جده عبد المطلب وكذلك خادمتها أم أيمن ، وبعدما زارت قبر والده ورجعت إلى مكة وهما في الطريق إلى مكة ، ماتت أمه صلوات الله وسلامه عليه في مكان بين مكة والمدينة يقال له الأبواء ، فبعد أن كان النبي صلوات الله وسلامه عليه يتيم الأب، صار صلوات الله وسلامه عليه في السادسة من عمره ، يتيم الأب والأم صلى الله عليه وسلم ، فكفله جده ورباه، ولكن أيضا ما تمت سنتان حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ الثامنة من عمره ،مات جده عبد المطلب ، عند ذلك احتضنه عمه أبو طالب ورباه بعد ذلك حتى بلغ سنّ الرجال صلوات الله وسلامه عليه ، وقد قام أبو طالب بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خير قيام ، وكان ربما قدمه على ولده . النبي صلى الله عليه وسلم وبحيرا الراهب: ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتا عشرة سنة خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام في التجارة ، ووقعت له هناك حادثة غريبة وهذه الحادثة تتمثل في أنّ أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الشام مرّا على راهب يقال له بحيرا في مكان يقال له نضرة. فهذا الراهب اسمه جرجيس لما نزل به أبو طالب ومن معه أكرم ضيافتهم ،ثم قال: من معكم ؟ قالوا:نحن. قال :ما معكم أحد آخر ؟ قالوا :معنا صبي عند متاعنا.قال:ائتوني به . فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ورآه بحيرا الراهب نظر في وجهه ،وكان يعرف أن هذا الوقت وقت خروج النبي ،ثم بحث فوجد خاتم النبوة (وخاتم النبوة هذا عبارة عن ورمة في كتف النبي صلى الله عليه وسلم في الخلف بقدر البيضة ).فقال بحيرا لأبي طالب:إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخرّ بذلك(أي ساجدا للنبي صلى الله عليه وسلم ) ولا تسجد هذه إلاّ لنبي ،وإني أعرفه من خاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة ،إنا وجدناه في كتبنا .فرآه فوجده كذلك .فقال لأبي طالب :ارجع به فإني أخاف عليه اليهود (أي في الشام)، فرجع به إلى مكة . |
#7
|
|||
|
|||
حلف الفضول:
وحضر صلوات الله وسلامه عليه حلف الفضول ، وذلك حين بلغ الخامسة عشرة من عمره ،وهذا الحلف تداعت إليه بنو هاشم ،وبنو المطلب ،وبنو أسد ،وبنو الزهرة، وبنو تيم ، اجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان التيمي وذلك لسنّه وشرفه ،وتعاقدوا على أن لا يجدوا مظلوما بمكة سواء كان من أهلها أو من غيرهم إلا نصروه وأخذوا له حقه . وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول:" حضرت حلف الفضول ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت وما أحب أن لي به حمر النعم" (وحمر النعم هي الإبل الحمراء التي تشتاق إليها نفوس العرب وتحبها) . عمل النبي صلى الله عليه وسلم: وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة يرعى الغنم وذلك مقابل قراريط أي أموال قليلة لأهل مكة . عن جابر قال :" كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ(مكان قريب من مكة) ، يقول: وَنَحْنُ نَجْنِي الْكَبَاثَ (كباث ثمر الأراك اللي هو السواك)يقول :فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عليكم بالأسود منه .قال : فقلنا: يا رسول الله كأنك رعيت الغنم (لأن هذه الأشياء لا يعرفها إلا راعي الغنم) قال: نعم " رواه مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وسلم :" ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم .فقال أصحابه :وأنت .قال: نعم ،كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " رواه الإمام البخاري في صحيحه. قال أهل العلم لعل الحكمة من إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يألفونه من القيام بأمر أمتهم ، لأن في مخالطتها (أي الغنم) ما يحصل لهم من الحلم والشفقة ، لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ودفع عدوها ،ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وخاصة الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر . وبعد رعي الغنم اشتغل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة ،فلما بلغ خديجة ما وصف به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كريم الأخلاق والأمانة ، بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام وخديجة هي بنت خويلد من أشراف قومها من بني مخزوم من قريش طبعا. فطلبت من النبي صلى الله عليه سلم أن يخرج بمال لها إلى الشام مع غلام لها يقال له ميسرة، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم ، وخرج بمالها وتاجر لها. زواجه من خديجة صلوات الله وسلامه عليه: ولما رجع إلى مكة أخبرها ميسرة بما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من كريم خلقه وحسن تعامله ،وما كانت من بركة وقع له صلوات الله وسلامه عليه، كل هذا جعلها تعجب به فتحدثت عن إعجابها به مع صديقاتها ، وكان ممن تحدثت معها به صديقة لها نفيسة ، فذهبت نفيسة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه أن يتزوج خديجة ، فقبل صلوات الله وسلامه عليه ، وذهب مع أعمامه إلى عم خديجة ، وتم الزواج . وكان سنها على المشهور أربعين سنة ، وكان سنّ النبي صلى الله عليه وسلم الخامسة والعشرين . وقد أحبها النبي صلى الله عليه وسلم حبا شديدا ، ولم يتزوج عليها في حياتها أبدا ورزقه الله تبارك وتعالى منها الولد.فولدت له عبد الله ،والقاسم، وفاطمة ، وزينب، ورقية ، وأم كلثوم رضي الله تبارك وتعالى عنهم جميعا . |
#8
|
|||
|
|||
بناء الكعبة وتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم قي وضع الحجر:
و لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخامسة والثلاثين من عمره وقع أمر مهم وهو أن قريشا قررت إعادة بناء الكعبة ، وذلك أن الكعبة قد تساقطت بعض حجارتها ، وكان قد جاءها سيل شديد أثر في بنيانها كثيرا ، واختلفوا هل يرممون البيت أو يهدمونه ويبنونه من جديد ، فمن قائل يهدم ويبنى من جديد ، ومن قائل بل يرمم ، وذلك أنهم خشوا إذا هدموا البيت أن يصابوا بأذى ، وذلك لأن أمر أبرهة قريب جدا ، وكثير منهم قد عاصروا وقت أبرهة وعرفوا ونظروا ما وقع لأبرهة وجيشه حيث أرادوا ذلك البيت المقدس عند الله تبارك وتعالى . فقام الوليد بن المغيرة وقال : والله لنهدمنّه ولنبنينّه من جديد . فقالوا: إنا نخاف أن نصاب بأذى . فقال : وأي أذى وأنتم إنما أردتم الخير . فقالوا : فابدأ أنت . قال : نعم . فجاء الوليد إلى الكعبة ورفع الفأس وقال: اللهم لن تُرَعْ. (يعني :لا تخف يا رب لا نريد إيذاءك ،وإنما نريد الخير . وهذا لا شك يدل على جهلهم بالله تبارك وتعالى) . الشاهد أنه بعد ذلك قام فضرب ثم انتظر قلم يُصَبْ بأذى .فقال : أيها الناس اهدموا . فقالوا : لا ، حتى تصبح وأنت سليم . قال : نعم . فذهب الناس إلى منامهم . فلما أصبح ولم يصب بأذى ، فقاموا جميعا وهدموا البيت الحرام ولكنهم لمّا هدموا البيت وأرادوا إعادة بنائه ، قالوا : لا يدخل في بنائه إلا مال طيب فلا يقبل مال ربا ، ولا ميسر ، ولا مهر بغي ، ولا مال مسروق. وهذا شيء عجيب ،هم على كفرهم يعرفون المال الحلال من المال الحرام . الشاهد إن المال الذي جمعوه كان قليلا لم يكف لبناء الكعبة ، فبنوا الكعبة على ما هي عليه الآن ، ثم جعلوا هذا السور أو هذا القوس الذي نراه والذي يسميه الكثيرون من الناس حجر إسماعيل وليس لإسماعيل عليه الصلاة والسلام حجر ، بل هو الحجر أو الجذر كما كان يسميه أهل مكة ، وهذا الحجر يعتبر من مكة ،ستة أذرع من الميزاب إلى الحجر هذه كلها كانت تعتبر من داخل الكعبة ، ولذلك إذا أردنا أن نطوف حول الكعبة لا يجوز لنا أن نطوف من داخل الحجر ، لأننا مطالبون أن نطوف حول الكعبة لا أن نطوف في الكعبة . وكان للكعبة بابان فجعلوا لها بابا واحدا ، وكان الباب ملاصقا للأرض فرفعوه حتى يدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ، "وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذر" أمن البيت هو ؟ (الجذر قلنا هو الحجر) . قال : نعم . قالت: فما لهم لم يدخلوه في البيت ؟ قال: إن قومك أثّرت بهم النفقة . وقالت: فما شأن بابه مرتفعا ؟ قال: فعلى ذلك قومك ، ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ، ولولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم ، أن أدخل الجذر في البيت أن ألصق بابه بالأرض"رواه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما. وذلك من النبي صلى الله عليه وسلم عليم الحكمة إذ أن قريشا ستقول : انظروا إلى محمد صلى الله عليه وسلم يدّعي أنه مرسل من الله ، أول ما فتح مكة هدم بيت الله . ولذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم من الحكمة أن يؤخر هذا الأمر ، ولكن هل تأخر هذا الأمر كثيرا ؟ إنه لم يتأخر كثيرا . وذلك أنه في خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه ، وذلك في سنة خمسة وستين من هجرة النبي صلى الله علي وسلم ، أو سنة أربع وستين للهجرة قام عبد الله بن الزبير رضي الله عنه فأدخل الحجر في الكعبة ،ووسع الكعبة وأطال بنيانها ، وأنزل الباب إلى الأرض ، وجعل للكعبة بابين ، كل ذلك كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه رحمه الله تبارك وتعالى. قال عطاء إنّ عبد الله بن الزبير جمع الناس فقال :"أيها الناس أشيروا علي في الكعبة ، أنقضها ثم أبني بناءها أو أصلح ما وهى منها . (وذلك بعد أن ضربت الكعبة أراد عبد الله بن الزبير أن يصلحها رضي الله عنه وأرضاه) يقول: فقال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها، أرى أن تصلح ما وهى منها وتدع بيتا أسلم الناس عليه ، وأحجارا أسلم الناس عليها ، وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم .(فابن عباس كان رأيه أن تترك الكعبة ولا يدخل الحجر فيها ، وأن ترمم فقط) . فقال ابن الزبير : لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدّه.(أي يجدده من جديد) فكيف بيت ربكم، إني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على أمري . فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها . فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد إليها أمر من السماء (أيضا خشوا أن يقع أمر من السماء إذا أراد أحد أن يهدم الكعبة ) فصعد رجل وألقى من البيت حجارة ، فلما لم يره الناس أصابه شيء تابعوا فنقضوا البيت حتى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه ، وقال بن الزبير :إني سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن الناس حديثٌ عهدهم بكفر ، وليس عندي من النفقة ما يُقوي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع ولجعلت لها بابا يدخلوا الناس منه وبابا يخرجون منه . قال عبد الله بن الزبير : فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس . قال : فزاد فيه خمسة أذرع كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم من الحجر حتى أدّى أسًّا نظر الناس إليه(أي الأساس ، أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنى عليه البناء) وكان طول الكعبة ثمانية عشر ذراعا فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع (يعني عبد الله بن الزبير زادها طولا وعرضا رضي الله عنه وأرضاه ) وجعل للكعبة بابين ، أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه . فلما قتل عبد الله بن الزبير وذلك سنة ثلاث وسبعين من الهجرة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك (أي بما فعل ابن الزبير ببيت الله تبارك وتعالى) ويخبره بأن ابن الزبير قد وضع البناء على أس (أي على أساس) نظر إليه العدول من أهل مكة فكتب إليه عبد الملك:إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء فأما ما زاد من طوله فأقره (أي من ارتفع الكعبة أقره) وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه وسد الباب الذي فتحه ، فنقضه وأعاده إلى بنائه. وهذا أمر عجيب ، عبد الله بن الزبير رضي الله عنه نفـّذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم . عبد المالك بن مروان لما استخلف ظن أن عبد الله بن الزبير إنما زاد هذا من عند نفسه فأمر بنقضه وأعاد الكعبة كما كانت زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولذلك لما وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان قال عبد الملك : ما أظن أن أبا خبي (يعني عبد الله بن الزبير ) سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها (أي قول النبي صلى الله عليه وسلم : لولا أن قومكِ حديث عهد بجاهلية ) فقال الحارث : بلى أنا سمعته منها . فقال عبد الملك : سمعتها تقول ماذا؟ قال : قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن قومك استقصروا من بنيان البيت فلولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه ، فإن بدا من قومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه . فأراها قريبا من سبعة أذرع . وأنه كذلك قال: ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقيا وغربيا ، وهل تدرين (أي النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة) وهل تدرين لِما كان قومك رفعوا الباب ؟ قالت :قلت:لا . قال :تـَعَجُزَا ألاَّ يدخلها إلا من أرادوا ، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي (أي يصعد الدرج) حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط". فقال عبد الملك للحارث : أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم .قال: فنكش عبد الملك ساعة بعصاه (أي صار يضرب بالعصا في الأرض) ثم قال: وددت أني تركته وما تحملت.وقال كذلك: لو كنتُ سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى أبن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه. وفي عهد الدولة العباسية قيل في عهد المهدي أو الرشيد أو عهد أبي جعفر المنصور ،أراد الخليفة أن يعيد بناء الكعبة وأن يدخل الحجر فيها مرة ثانية . فسُئل الإمام مالك .سأله الخليفة قال : ما تقول : فقال الإمام مالك: لا تفعل . قال:لما؟ قال أخشى أن يتخذه الملوك لعبة ، هذا يهدم وهذا يبني . فتركه (أي الخليفة) وبقي على حاله إلى يومنا هذا . فإن قال قائل : هل نعيده الآن ونبنيه كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ونجعل بابه في الأرض وندخل الحجر فيه كما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فنقول : هذا مصيره إلى أهل العلم هم الذين (العلماء) هم الذين يتكلمون في هذا الأمر ويجتمعون ثم ينظرون في هذا الأمر ، فإن أرادوا ذلك فالأمر إليهم ، وليس لنا أن نتكلم في هذا. بعد أن بَنَتْ قريش الكعبة ، وجعلت القوس الذي هو الحجر كما قلنا ، أرادوا وضع الحجر الأسود في مكانه ، فتنازعوا ، كل يريد أن يتشرّف بوضع الحجر في مكانه . فقالوا : نحكم فينا أول داخل علينا . فقدر الله تبارك وتعالى أن يكون أول داخل عليهم هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقالوا : هذا الأمين . فنزع رداءه وطلب من رؤساء القبائل أن يحمل كل واحد منهم بالطرف حتى وصل الحجر إلى الكعبة ، ثم حمله النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ووضعه في مكانه . وقد جاء في الحديث أن الحجر الأسود نزل من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن ، سوّدته خطايا بني آدم . رواه الإمام الترمذي في جامعه. |
#9
|
|||
|
|||
مبعث النبي صلى الله عليه وسلم:
ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الأربعين من عمره امتنّ الله تبارك وتعالى على الإنسانية أجمع بمبعثه صلوات الله وسلامه عليه ، هاديا ،ومبشرا، ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه ، وسراجا منيا . وهذه أمّ المؤمنين عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها تحدثنا عن قصّة مبعثه صلوات الله وسلامه عليه . قالت عائشة رضي الله عنها : "أول ما بُدِئ به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الوحي ، الرؤية الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤية إلا جاءت مثل فلق الصبح (أي كضوء النهار، كما رآها تقع صلوات الله وسلامه علي) ، ثم حبِّب إليه الخلاء (أي الوحدة) وكان يخلو بغار حراء فَيَتَحَنَّثُ فيه (يعني يتعبد في هذا الغار) الليالي ذوات العدد قبل أن ينزِع إلى أهله ( أي يرجع إلى أهله) ويتزود لذلك (من الطعام والشراب وما شابه ذلك ) ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، وهكذا حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ (والحق هنا يحتمل أن يكون جبريل ويحتمل أن يكون الأمر الحق، أي جاءه الأمر الحق وهو البعثة ، بعثة النبي صلوات الله وسلامه عليه) تقول: حتى جاءه الحق وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، فقال صلوات الله وسلامه عليه: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» ، (أي لا أعرف القراءة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمِّيٌّ لا يستطيع القراءة ولا يعرفها صلوات الله وسلامه عليه ، وقد أخبر الله تبارك وتعالى عنه في قوله :"الذين يتبعون الرسول النبي الأمِّيَّ "[الأعراف:157] ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه فقال:" إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" زواه البخاري ومسلم). فقال له :اقرأ ، قال : "ما أنا بقارئ" ،قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي (أي ضمني ضما شديدا) حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ (أي التعب) ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ"، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ".يقول: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 2] " تقول عائشة رضي الله عنها :فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، (أي من الخوف صلوات الله وسلامه عليه الأمر غريب يأتيه الملك في هذا المكان الموحش المظلم في الليل ويضمه هذا الضم الشديد فأوقع هذا خوف في قلب النبي صلوات الله وسلامه عليه ، وهذا خوف فطري لا يضره شيئا) ،فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» (وذلك أن الخائف يشعر بالبرد والرعشة فيحتاج إلى أن يتحفى ويتغطى حتى يذهب عنه ما يجده من الرشفة) فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» قَالَتْ خَدِيجَةُ (وهي المثبتة وهي التي اختارها الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم) قالت له : كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، (هذا الكلام من خديجة تبدؤه بالنهي ثم بالقسم والله ما يخزيك الله أبدا وتؤكده بقولها أبدا ، كل هذا دليل على ثقة هذه المرأة بربها تبارك وتعالى ومعرفتها الحق بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والسبب الذي من أجله بنت هذا الكلام هو ما ذكرته بعد ذلك ) فقالت والله ما يخزيك الله أبدا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ (الكلّ هو الذي لا يستطيع أن يستقِّل بأمره يعني يساعده )، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ( أي لي ما عنده شيء تعطيه)، وَتَقْرِي الضَّيْفَ(تكرم الضيف)، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ( أي على مصائب الدنيا تعين عليها ، كأنها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم من كانت هذه صفاته لا يمكن أن يقع الخزي من الله تبارك وتعالى عليه أبدا ، لأن هذه الصفات صفات كمال ، فقالت : والله لا يخزيك الله أبدا) ، ثم انْطَلَقَتْ بِهِ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ وهو ابن عم لها وقيل هو عمها وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ(يعني اتخذ النصرانية دينا وذلك أن قريشا على الشرك ، على الوثنية ، وكان هناك بعض النصارى وكانوا هم أقرب إلى الحق في ذلك الوقت)، تقول : وكان امرأً تنصر في الجاهلية وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ (يعني التوراة والإنجيل وسميت اللغة باللغة العبرانية نسبة إلى عبورهم النهر )،قالت: فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ : يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى( أي هذا الشيء هو الذي أنزله الله تبارك وتعالى على موسى صلوات الله وسلامه عليه)، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ (جذعا أي شابا قويا)، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ» (استبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجه قومه ، وذلك لأنه يرى صلوات الله وسلامه عليه أن قومه يحبونه حبا شديدا ولا يسمونه إلا الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه) ، قَالَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ» قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ (وهذه قاعدة مهمة وأصل عظيم بنى عليه ورقة بن نوفل رأيه ، وذلك أن كل الأنبياء أوذوا وعودوا ، فمنهم من قتل ومنهم من طرد ومنهم من أوذي ، ومنهم من خوف ، وهذا كثير)،يقول: لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ . بعد ذلك توفي ورقة بن نوفل رحمه الله تبارك وتعالى ، وفتر الوحي (أي انقطع) مدة طويلة ، وهذه المدة قدرها أهل العلم بستة أشهر ، وقال بعضهم: إنها بلغت ثلاث سنين . الشاهد أن ورقة بن نوفل رحمه الله تعالى ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بشّره بالجنة أو أخبره أنه من أهل الجنة ، ولكن هل كان صحابيا؟ الصحيح أنه لم يكن صحابي وذلك أنه لم يدرك الرسالة ، لأنه مات بعد مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقبل تبليغه صلوات الله وسلامه عليه . ولا بأس أن نذكر أنواع الوحي . أنواع الوحي ستة كما قال أهل العلم . القسم الأول: الرؤيا الصادقة وهي كانت مبدأ الوحي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . القسم الثاني: وهو ما كان يلقيه الملك في روع النبي وقلبه صلوات الله وسلامه عليه ، كقوله صلوات الله وسلامه عليه :"إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب". والقسم الثالث: أنه كان يتمثل الملك رجلا فيخاطب النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعي عنه ، كما في حديث جبريل لما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه . القسم الرابع: وهو أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس وكان هذا أشدّه عليه حتى جبين النبي صلوات الله وسلامه عليه ليتصبب عرقا في اليوم شديد البرد. القسم الخامس: أن يرى الملك في صورته التي خلقه الله تبارك وتعالى عليها فيوحي ماشاء. القسم السادس: ما يوحيه الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مباشرة دون واسطة ملك . |
#10
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
مكة والأوثان:
وبعد أن تكلمنا عن الوحي الذي أوحاه الله تبارك وتعالى لنبيه وبشره به أنه رسول من عند الله صلوات الله وسلامه عليه ، ننبه هنا إلى أهل مكة ، وكيف وصل إليهم الشرك ؟ وهل كانوا على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ؟ أولا . كانت خزاعة هم وُلّات البيت الحرام قبل قريش ، وكانوا يتوارثون الولاية على البيت كابرا عن كابرٍ واستمرت على ولاية البيت أي خزاعة ثلاثة مائة سنة وقيل خمسة مائة سنة . وفي زمانهم جلبت الأوثان إلى مكة على يد زعيمهم عَمْرٍ بن لحي ، وكان قوله فيهم كالشرع المتبع لمكانته عندهم . وكان عمر بن لحي هذا قد خرج إلى الشام فرأى أهل الشام يعبدون الأصنام . فقال : ما هذه الأصنام التي تعبدونها . قالوا: هذه أصنام نعبدها نستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا. فقال: ألا تعطوني منها صنما أسير به إلى أرض العرب ، فيعبدونه. فأعطوه صنما يقال له هُبل، فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته فأطاعوه. قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"رأيت عمر بن لحي يجر قصبه في النار"(أي أمعاءه ، أي يجر أمعاءه في النار) وهذا الحديث رواه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما. وكانت العرب تتوارث دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ولكن لطول العهد نسوا كثيرا من تفاصيل الشرع ، واستمر هذا الأمر وهو رئاسة خزاعة على البيت الحرام حتى قام قصي بن كلاب بالزواج من ابنة رئيس خزاعة ، ثم بعد ذلك استعان بالعرب على قتال خزاعة، فهاجمهم وأجلاهم عن مكة وتسلم قصي الرئاسة( وقصي كما هو معلوم من قريش) . وأما ما بقي عند العرب من العبادات التي كانت على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم الحج ، فكانوا يطوفون ويسعون ويقفون في عرفات ومزدلفة ويهدون الهدية ، ولكنهم صاروا يقولون في تلبيتهم بعد بُعْدِ العهد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك ملكته وما ملك. قال ابن عباس رضي الله عنهما إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام . قال تعالى :" قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)". قال ابن كثير من ذلك ما كانت تدعوه من الشرائع الباطلة والفاسدة التي ظنها كبيرهم عمر بن لحي قبحه الله مصلحة ورحمة بالدواب والبهائم وهو كاذب مفتر في ذلك ، ومع هذا الجهل والضلال اتبعوه هؤلاء الجهلة الطغام فيه ، قال الله تبارك وتعالى :"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"والبحيرة هي التي كانوا يبحرون أذنها أي يشقونها ويجعلون لبنها للطواغيث ويمنعون الناس منها ، وأما السائبة فهي البعير يسيّب فلا يحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبها أحد ويكون كذلك للآلهة ، وأما الوصيلة فهي الناقة إذا ولدت أنثى بعد أنثى فتكون لهم ، وإذا ولدت ذكرا فيكون للآلهة ، وأما الحام فهو الفحل إذا أنتج من ظهره عشرة ترك فلا يُركب ولا يُمنع من رعي . وتابعه أهل مكة ، أي تابعوا عمر بن لحي في أكثر من ذلك كما يقول الحافظ بن كثير رحمة الله تبارك وتعالى عليه:" بل تابعوه فيما هو أطمّ من ذلك وأعظم بكثير وهو عبادة الأوثان مع الله عزّ وجلّ وبدلوا ما كان الله بعث به إبراهيم خليله من الدين القويم والصراط المستقيم من توحيد الله ، وعبادته وحده لا شريك له ، وتحريم الشرك ، وغيّروا شعائر الحج ومعالم الدين بغير علم ولا برهان ، ولا دليل صحيح ولا ضعيف ، واتبعوا في ذلك من كان قبلهم من أمم المشركين "انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقد كانت العرب اتّخذت مع الكعبة طواغيث تعظِّمها كتعظيم الكعبة ، لها سدلة وهم الخدم وحجاج يذبح لها ، ويُطاف حولها ، ومع هذا كله يعرفون فضل الكعبة . أما تلك الآلهة فكانت لقريش :العُزّى وهبل ، وكانت اللاّت لثقيف ،وكانت مناة للأوس والخزرج ، وكان ذو الخُلُصَة لدوس. |
#11
|
|||
|
|||
أول من تابع النبي صلى الله عليه وسلم:
بعد أن أوحي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وبُشِّر صلوات الله وسلامه عليه بأنه نبي، وبعد انقطاع الوحي الفترة التي ذكرناها وعاد إليه مرّة ثانية صلوات الله وسلامه عليه يدعو المقربين إلى دين الله تبارك وتعالى . فكان أول من اسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم من النساء خديجة ، ومن الموالي زيد بن حارثة ، ومع الغلمان علي بن أبي طالب ، ومن الرجال الأحرار أبو بكر الصديق، ومن العبيد بلال بن رباح . جاء في صحيح البخاري من حديث همَّام بن الحارث عن عمار بن ياسر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلاّ خمسة من أعبد وامرأتان وأبو بكر . وأسلم على يد أبي بكر الصديق الزبير بن عوّام ، وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي الوقّاص وعبد الرحمان بن عوف رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين. وجاء كذلك في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة عن عمر بن عبسة السُلمي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما بعث وهو بمكة ، وهو حينئذ مستخف فقلت: من أنت؟ قال : أنا نبي. قلت:وما النبي؟ قال: رسول الله . قلت : آالله أرسلك؟ قال: نعم. قلت: بما أرسلك؟ قال :بأن تعبد الله وحده لا شريك له ، وتكسر الأصنام ، وتصل الأرحام. قال: قلت: نِعْمَ ما أرسلك به. فمن اتبعك على هذا ؟ قال: حر وعبد.(يعني أبا بكر وبلال) .قال:فكان عمر بعد ذلك يقول: لقد رأيتني وأنا ربع الإسلام. قال:فأسلمت .قلت:أفأتبعك يا رسول الله؟ قال:لا ولكن اِلْحَقْ بقومك فإذا أخبرت أني قد خرجت فاتبعني. وروى أبو داود الطيالسي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي مُعَيْض بمكة فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرَّا من قريش . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :عندك يا غلام لبن تسقينا.قلت:إني مؤتمن ولست بساقيكما . فقال: هل عندك من جذعة لم ينزو عليها الفحل بعد(أي لم يجامعها الفحل بعد).قلت: نعم. فأتيتهما بها (يعني ائتنا بجذعة ليس فيها لبن) يقول: فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع ودعا ، فحفل الضرع. وأتى أبو بكر بصخرة متقعرة ،فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر ثم سقياني ، ثم قال للضرع :أقلص، فقلص(أي رجع كما كان) فلما كان بعد :أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: علمني من هذا القول الطيب(يعني القرآن) فقال:إنك غلام مُعَلَمٌ. يقول: أخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد(أي من فمه). إسلام أبو ذر الغفاري وقومه غفار: وكذلك ممن أسلم في أول الأمر أبو ذر الغفاري وقصته كما يلي :أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذرٍّ الغفاري قال: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ، وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، (يعني يخونه في أهله فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ، (يعني قال لنا وذكر لنا ما قيل له) فَقُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، (أي بتصديقك هذه الأخبار) وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ، فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، (الصرمة هي الناقة يقول: فتركنا خالنا وسرنا بعد أن اتهمنا هذا الاتهام الباطل أو صدق الناس فينا). وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ فَجَعَلَ يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، (أي قريبا من مكة) فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْسًا، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا (يعني أن أنيسا كان شاعرا فجاء إلى قريب من مكة ففاخر الناس بالشعر ثم احتكموا على الناقة مقابل ناقة ثم احتكموا إلى الكاهن فحكم لأنيس أنه اشعر فأخذ الصرمة الثانية أي الناقة الثانية أي كسب ناقة في المغامرة بالشعر) . قال أبو ذر للراوي رضي الله عنه وهو عبادة بن الصامت قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ، يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ،.قلت: (يعني ابن الصامت يقول لأبي ذر) لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ (إلى أي قبلة) قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي، أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ، حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ. (خفاء يعني كساء كأني ثوب يعني من ضعفي وتعبي فُقِدت ونمت يعني لا حركة في) قال أبو ذر:فقال لنا أخي أنيس : إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي (أي ابق مع أمي حتى أذهب وأرجع فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ ( أي تأخر) ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ، قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قال أبو ذر: ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ، قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ، وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ. قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ، (أي على أنواع الشعر أوزانه) يقول: فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي، أَنَّهُ شِعْرٌ، ( أي ليس بشعر ) وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. قال أبو ذر:قلت لأنيس : فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ، (أي ابق مع أمي حتى أذهب أنا وأنظر) قال أبو ذر: قَالَ فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ، (أي ذهبت إلى رجل أرى أنه ضعيف فيهم) يقول: فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئَ، الصَّابِئَ (يعني يشير علي بأني أنا الصابئ) يقول :فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلٍّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ، (المدرة أي الحجارة من الطين وعظم) يقول: حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، قَالَ: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، (يقول : لما وعيت وصحيت بعد هذا الضرب وقفت كأني نصب أحمر ،يعني كأني علامة حمراء من كثرة الدّماء على جسدي )يقول: فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ: وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا،يقول : وَلَقَدْ لَبِثْتُ، يَا ابْنَ أَخِي (يقول لعبد الله بن الصامت) وَلَقَدْ لَبِثْتُ، يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، (ما كانوا يطعمونه لأنه يتهمونه بأنه الصابئ يعني أمثال هذا يعذب ) يقول : فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي (أي طاقات بطنه أي لحم البطن صار على بعضه كل هذا من ماء زمزم) يقول: وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ (أي ما شعرت بالضعف بسبب الجوع لأنه جلس شهرا كاملا لا يشرب إلا ماء زمزم. قَالَ فَبَيْنَا أَهْلِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانٍ (يعني مضيئة منورة)، إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ(أسمختهم أي آذانهم)، يقول: إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ، فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ(يعني الناس كلهم نيام ).يقول: وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا ، وَنَائِلَةَ (يعني رأيت امرأتين تدعوان إسافا ونائلة،إسافا صنم ونائلة صنم) ، يقول: فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى(يعني يستهزأ بآلهتهما يقول انكحا إسافا من نائلة، زوجوا إسافا من نائلة)، يقول: فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا ،ثم انطلقتا تُوَلْوِلَانِ(أي تصيحان)، وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا(أي لو كان أحد هنا يقوم فيدافع عنّا وعن من آذانا)، يقول: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا هَابِطَانِ، قَالَ: «مَا لَكُمَا؟» قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا قَالَ لَكُمَا؟» قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ(أي عظيمة)، فجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول أبو ذر: حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ صلوات الله وسلامه عليه- يقول أَبُو ذَرٍّ - فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ» فقَالَ «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ، قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ(أي أرفع يده عن جبهته)،يقول: فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ(أي منعني ودفعني صاحبه)، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ(أي النبي صلى الله عليه وسلم)، ثُمَّ قَالَ: «مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟» قَالَ قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، قَالَ: «فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟» قَالَ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ(أي ما أشعر بالجوع)، فقَالَ له النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ(والزبيب هو العنب) يقول: وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا،يقول: ثُمَّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ(أي بقيت ما بقيت)، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ(أي وجهت لي يعني أريد جهتها أي أسافر إلى يثرب أو أهاجر إليها صلوات الله وسلامه عليه)، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ؟ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ» يقول: فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، فقَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ،يقول: فَأَتَيْنَا أُمَّنَا، فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ،يقول: فَاحْتَمَلْنَا(أي ارتحلنا) حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ(يعني الإمام كان اسمه أيماء بن رخضة الغفاري) يقول:وَكَانَ سَيِّدَهُمْ.يقول: وَقَالَ نِصْفُهُمْ(أي النصف أسلم وبقي النصف) وقال نصفهم: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ الْبَاقِي(أي فأسلمت غفار كلها) وَجَاءَتْ أَسْلَمُ(أي قبيلة أسلم)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِخْوَتُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ» . |
#12
|
|||
|
|||
إسلام الطفيل بن عمرو وقومه دوس:
وكذلك من الذين أسلموا وتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم ، الطفيل بن عمرو الدوسي وهذا قصته ، أنه وَكَانَ سَيِّدًا مُطَاعًا شَرِيفًا فِي دَوْسٍ (دوس في اليمن)، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ مَكَّةَ فَاجْتَمَعَ بِهِ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ وَحَذَّرُوهُ مِنْ رَسُول الله وَنَهَوْهُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهِ أَوْ يَسْمَعَ كَلَامَهُ. قال الطفيل بن عمرو : فو الله مَا زَالُوا بى حَتَّى أَجمعت(أي قررت) أَلا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلِّمَهُ، حَتَّى حَشَوْتُ أُذُنِيَّ حِينَ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا (أي وضع قطنا في أذنيه حتى لا يسمع النبي صلى الله عليه وسلم)يقول: فَرَقًا (أي خوفا ) من أَن يبلغنِي شئ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ. يقول: فَغَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ. قَالَ: فَقُمْتُ مِنْهُ قَرِيبًا، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ. قَالَ: فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاثُكْلَ أُمِّي! وَاللَّهِ إِنِّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنَّ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مَا يَقُولُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ حَسَنًا قَبِلْتُهُ، وَإِن كَانَ قبيحا تركته. قَالَ: فَمَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيته فدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ قَوْمَكَ قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فو الله مَا بَرِحُوا بِي يُخَوِّفُونَنِي أَمْرَكَ حَتَّى سَدَدْتُ أُذُنَيَّ بِكُرْسُفٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَكَ، فَسَمِعْتُ قَوْلًا حَسَنًا، فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمْرَكَ. قَالَ: فَعَرَضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيَّ الْقُرْآنَ، فَلَا وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ. قَالَ: فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، وَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، وَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ وَدَاعِيهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ. قَالَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً. قَالَ فَخَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ تُطْلِعُنِي على الْحَاضِر (أي في مكان مرتفع) ، وَقع بَين عينى نور مِثْلُ الْمِصْبَاحِ(وقع عليه نور بين عينيه كأنه مصباح تنير العين ، بين عينيه يخرج نور). يقَولَ: فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فِي غَيْرِ وجهى فإنى أخْشَى أَن يَظُنُّوا بِهِ مُثْلَةً(قال أخاف أنهم يقولون أن هذه دعوة الآلهة عليه إذ هذا شيء معيب) .يقولَ: فَتَحَوَّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي(أي هذا النور ). قَالَ: فَجُعِلَ الْحَاضِرُونَ يَتَرَاءَوْنَ ذَلِكَ النُّورَ فِي رَأْسِ سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ(أي في السوط الذي بيده كالقنديل ،سبحان الله ) يقول: وَأَنَا أَنْهَبِطُ عَلَيْهِمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ(أي أنزل عليهم من مكان مرتفع)، حَتَّى جئتهم فَأَصْبَحت فيهم. فَلَمَّا نَزَلْتُ أَتَانِي أَبِي، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَقُلْتُ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا أَبَتِ، فَلَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي. قَالَ: وَلِمَ يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقَالَ: إِي بني فدينك ديني. فَقُلْتُ: فَاذْهَبْ فَاغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ، ثُمَّ ائْتِنِي حَتَّى أُعَلِّمَكَ مِمَّا عَلِمْتُ. قَالَ: فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ وطهر ثِيَابه، ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي(أي زوجتي)، فَقُلْتُ: إِلَيْكِ عَنِّي، فَلَسْتُ مِنْكِ وَلَسْتَ مِنِّي. قَالَتْ: وَلِمَ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. قَالَ: فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ الْإِسْلَامُ، وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَت: فديني دينك. قَالَ: فَقلت فاذهبي إِلَى حمى ذِي الشَّرَى فَتَطَهَّرِي مِنْهُ. وَكَانَ ذُو الشَّرَى صنما لدوس،كان صنما لدوس وَكَانَ الْحمى الذي حوله بِهِ وَشَلٌ مِنْ مَاءٍ يَهْبِطُ مِنْ جَبَلٍ(أي نقاط من ماء يهبط من جبل). قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَتَخْشَى عَلَى الصَّبِيَّةِ من ذى الشرى شَيْئا؟ قُلْتُ: لَا، أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ. قَالَ: فَذَهَبَتْ فَاغْتَسَلَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ. يقول: ثمَّ دَعَوْت دوسا(أي قبيلته) إِلَى الإسلام فأبطأوا عَلَيَّ(أي تأخروا في القبول لأن ليس كل الناس سواء، أبو ذر أسلم قومه وتابعوه ، الطفيل بن عمرو لم يسلم قومه مباشرة ولكن امتنعوا)، يقول: ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ.يقول: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أبطؤوا عليّ، فَادْعُو عَلَيْهِمْ. فقَالَ صلوات الله وسلمه عليه: " اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إِلَى قَوْمك فادعهم وارفق بهم ". يقَولَ: فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي مِنْ قومِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ،فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ صلوات الله وسلامه عليه. |
#13
|
|||
|
|||
الجهر بالدعوة:
ثم بعد ذلك ، أي بعدما أسلم هؤلاء المسلمون الأوائل أيام تلك الدعوة ،أو بداية الدعوة للنبي صلى الله عليه وسلم . أُمِرَ النبي صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى . وذلك في قوله جل وعلا :"يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر" . وذلك أن الله تبارك وتعالى انتزعه من النوم والتدثر والدفء ، إلى الجهاد والكفاح والمشقة . فقال [COLOR="rgb(255, 0, 255)"]:"يا أيها المدثر قم فأنذر " فكأنه قيل له إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا ، وأما أنت الذي تحمل هذا العبء الكبير فما لك والنوم ، وما لك والراحة ، وما لك والفراش الدافئ . قم للأمر العظيم الذي ينتظرك والعبء الثقيل المهيأ لك ، قم للجهد والنصب والكدّ والتعب ، فقد مضى وقت النوم والراحة وما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل والجهاد الطويل الشاق ، قم فتهيأ لهذا الأمر ، واستعد. هكذا أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوم ويجهر بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى. وقد روى لنا أبو هريرة رضي الله عنه ، عن بداية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وجهره بها صلوات الله وسلامه عليه . قَالَ أَبِو هُرَيْرَةَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: «يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا» رواه الإمام مسلم في صحيحه. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا(جبل الصفا)، يقول فَهَتَفَ: «يَا صَبَاحَاهْ»(وهذه جملة كان يستعملها الناس في ذلك الوقت للمناداة ، ينادون الناس اجتمعوا الأمر مهم، عندي كلام أريد أن أقوله ، وما شابه ذلك. فقال [COLOR="rgb(46, 139, 87)"]:"يا صباحاه"[/COLOR]، قَالُوا: ومَنْ يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ صلوات الله وسلامه عليه، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ،يقول فَقَالَ: «يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» ،يقول: فَاجْتَمَعُوا علَيْهِ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟»،وفي رواية لو حدثتكم أن خلف الوادي جيش مصبحكم (أي سيدخل عليكم صباحا)[COLOR="rgb(46, 139, 87)"] أكنتم مصديقي.[/COLOR] (والله لو قالوا نصدقك لكفى ولكن أبى الله تبارك وتعالى إلا أن يشهدوا بالحق ، وإلا أن يقولوا الكلمة التي تكون شاهدة عليهم وعلى تكبرهم وعنادهم واعراضهم عن الحق الذي عرفوه ماذا قالوا؟) قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا قط(هكذا يشهد أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم على المشهور بعد ثلاث وأربعين سنة بأنهم ما جربوا عليه الكذب أبدا ، ولذلك سيأتينا من قصة أبي سفيان لما يسأله هرقل وذلك في بداية السنة السابعة من الهجرة بعد صلح الحديبية يقول :هل كان يكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال :لا . هكذا هي صفة النبي صلى الله عليه وسلم لا يكذب أبدا صلوات الله وسلامه عليه ) فقالوا:ما جربنا عليه كذبا قط ، فقَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»(صلوات الله وسلامه عليه) ، فَقَام عم النبي صلوات الله وسلامه عليه أَبُو لَهَبٍ فقال: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَأنَزَلَ تبارك وتعالى آيات يدافع فيها عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه وتعالى :" تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ْ تَبَّ، ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد" هذا دفاع الله تبارك وتعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وردّ كلام أبي لهب على نفسه. ثم كانت بعد ذلك الدعوة إلى الله تبارك وتعالى الجهرية ، يدعو إلى الله تبارك وتعالى . يقول ابن إسحاق : ثم أمر الله تبارك وتعالى رسوله بعد ثلاث سنين من البعثة، بأن يصدع بما أمر وأن يصبر على أذى المشركين . يقول : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا إلى الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم. يقول: فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر يصلون في شعاب مكة ،إذ ظهر عليهم بعض المشركين ، فناكروهم (أي أنكروا عليهم ) وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم . فيقول : فضرب سعد بن أبي وقاص رجلا من المشركين بلحى جمل فجشه(أي عظم من الجمل ) فجشه فكان أول دم أريق في الإسلام . وبدأ الناس يدخلون في دين الله تبارك وتعالى فأسلم كما قلنا أبو بكر، وعلي، وزيد، وبلال، وخديجة. ثم أسلم عمار بن ياسر، وأسلم كذلك عثمان ، والزبير، وابن عوف، وسعد بن أبي الوقاص، وطلحة بن عبيد الله. ثم أسلم أبو عبيدة ، وأبو سلمة بن عبد الأسد،والأرقم بن أبي الأرقم، وعثمان بن مظعون، وسعيد بن زيد، وخباب بن الأرت ، وعبد الله بن مسعود، وفاطمة بنت الخطاب، وكل هؤلاء كان إسلامهم سرًّا أي كانوا يسرُّون بإسلامهم خوفا من أهل مكة. ثم بعد ذلك بدأت الدعوة الجهرية(جاهر النبي صلى الله عليه وسلم كما فلنا بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى بعد أن أنزل الله تبارك وتعالى قوله جل وعلا:"فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين". قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعكر على خرافات الشرك وترهاته، ويذكر حقائق الأصنام ، وحقائق عبادتها ، وأنها لا تستحق العبادة ولا تستحق أن يسجد لها وأن تعبد من دون الله تبارك وتعالى . وبدأ يسفه الأحلام ويبين الضلال صلوات الله وسلامه عليه، ثم بعد ذلك بدأ النبي صلوات الله وسلامه عليه يجهر بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى. عن خباب بن أرت رضي الله عنه :" كنت رجلا طيّنا(أي عبدا) وكان لي عند العاص بن وائل دين فأتيته أتقضاه فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . فقال: والله لا أكفر بحمد حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيك، فأنزل الله تبارك وتعالى:" أرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولد" إلى قوله تعالى:[COLOR="rgb(46, 139, 87)"]"ويأتينا فردا"[/COLOR] أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. وعن خباب قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببردة ، وهو في ظل الكعبة ، وقد لقينا من المشركين شدة فقلت: ألا تدعو الله ، فقعد وهو محمر الوجه فقال: [/COLOR]قد كان من كان قبلكم ليُمشَطوا بأمشاط الحديد. |
#14
|
|||
|
|||
الدعوة إلى الله والتعرض لللإيذاء: ثم بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، فمشى رجال من أشراف مكة إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم. فقالوا:يا أبا طالب إنّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا وسفّه أحلامنا وعاب ديننا،وضلل آباءنا. فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه ، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه. سنكفيكه : فقال لهم أبو طال قولا رقيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه. ومضى أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه، وينصحه، واستمر النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه صلوات الله وسلامه عليه. وقد جاء به أهل مكة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قد قرب موسم الحج ، والحجاج سيأتون إلى بيت الله تبارك وتعالى ،ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم سيجدها فرصة سامحة للدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فاجتمع كفار مكة وكبراؤها إلى الوليد بن مغيرة وقالوا: ما نقول إذا جاء الناس. فقال لهم الوليد: أجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، ويرد قولكم بعضكم بعضا.(يعني لا ينبغي أن يقول أحدكم ساحر،والآخر يقول كاهن، والثالث يقول مجنون ، والرابع يقول كذاب وهكذا سيكذبكم الناس جميعا، أجمعوا قولا واحدا فيصدقكم الناس على ما تقولون). فقالوا له: بل أنت قل ونسمع. قال: لا ، بل قولوا أنتم، وأنا أسمع. قالوا: نقول كاهن.قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكُهَّان ، فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه. قالوا: فنقول مجنون.قال: ما هو بمجنون. لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته. قالوا : فنقول : شاعر. قال : ما هو بشاعر. لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر . قال : فما هو بالشعر. قالوا: فنقول ساحر.قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحّار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم . قالوا: فما نقول؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه أن تقولوا ساحر(سبحان الله هو يقل له ما هو بساحر وهم يعرفون بأنه ليس بساحر ، ولكنه الكِبَرُ والعياذ بالله ). قال: أن تقولوا ساحر، جاء بقول هو سحر لأنه فرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه وعشيرته . فتفرقوا عنه بذلك. ولكن هل بقي الأمر هكذا؟ لا. لقد دافع الله عن نبيه وقال عن الوليد بن المغيرة ومن معه :"ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت لها تمهيدا" إلى قوله ""إن هذا إلا قول البشر سأصليه صقر". واتبعت قريش أساليب عدة في محاربة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن هذه الأساليب التي استخدموها مع النبي صلوات الله وسلامه عليه : أولا السخرية والإحتقار . هذا طبعا قبل قضية التعذيب والقتل والإيذاء. ولكن جاؤوا أولا من باب السخرية والإستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه فرموا النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بتهم هازلة ، وشتامة سافهة ، وتألفت جماعات للاستهزاء بالإسلام ورجاله . وبهذين اللونين من العداوة :أي التعذيب والاستهزاء وقع المسلمون بين شقي الرحى ، فرسولهم ينادى بالجنون.قال تعالى:"وعجبوا أن جاءهم منذر فقال الكافرون هذا ساحر كذاب". فلذلك صاروا ينظرون إليه ، يريدون بهذا النظر أن يزلقوه بأبصارهم أن يوقعوه في مهلكة من حسدهم . قال تعالى :"وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون" . ولم يتوقف الأمر على النبي صلى اله عليه وسلم ، بل تعداه إلى أصحابه ، قال تعالى:" إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين". هكذا كان الاستهزاء ، وكان التعذيب . وقالوا كذلك "أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا". وقالوا:"إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ". وأرادوا لجهلهم أن يعارضوا القرآن الكريم بأساطير الأولين ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدث الناس ودعاهم إلى الله تبارك وتعالى ، وقرأ عليهم القرآن ثم قام ، جاء النضر بن الحارث فجلس مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول: والله ما محمد بأحسن حديثا مني ، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثا مني. ثم كذلك حاولوا المساومة كما قال تبارك وتعالى:" فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون". ثم يذكر بعض الإيذاء والإضطهاد الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه رضي الله تبارك وتعالى عنهم. النبي صلى الله عليه وسلم وأبو لهب: فأول هذا الإيذاء ما وقع من أبي لهب قبحه الله ، وذلك أنه قد زوج ولديه عتبة وعتيبة من ببنتي النبي صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم قبل البعثة، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعا إلى الله تبارك وتعالى ، وجهر بالدعوة. أمر أبو لهب ولديه أن يطلقا بنتي النبي صلى الله عليه وسلم فطلقاهما. وكانت امرأة أبي لهب أم جميل أروة بنت حرب لا تقل عن زوجها في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد كانت تحمل الشوك وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى بابه ليلا ، وكانت امرأة سَلِيطَة اللسان . ولما سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن بقوله تعالى:" تبت يدا أبي لهب وتب" أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر ، وفي يديها حجارة فوقفت عليهما . فأخذ الله بصرها فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تر إلا أبا بكر: فقالت يا أبا بكر أين صاحبك؟ ورسول الله جالس جنبه مع أبي بكر. فقالت يا أبا بكر أين صاحبك ؟ فقد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه (أي الحجر) . أما والله إني لشاعرة، ثم قالت : مذمما عصينا*** وأمره أبينا*** ودينه قلينا. ثم انصرفت. فقال أبو بكر : يا رسول الله أما تراها رأتك؟ فقال : ما رأتني، فقد أخذ الله ببصرها عني. وازداد الأمر وذلك أن عقبة بن معيط ، كما حدث عبد الله بن أبي مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وزاد من إيذائهم للنبي صلى الله عليه وسلم لم ذكره عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَأتي بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟(وسلى الجزور هو بيت الولد أو المكان الذي يكون فيه الولد ، من المشيمة بالنسبة للإنسان ، ولكنه بالنسبة للناقة هنا). يقول من يأتي بسلى جزور (أي ناقة ميتتة أو مذبوحة ، يقول من يأتي بهذا السلى يضعه على ظهره صلوات الله وسلامه عليه وهو ساجد ) يقول عبد الله بن مسعود: فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ(وهو عقبة بن المعيط) فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ(أي انتظر) حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ،يقول عبد الله بن مسعود : وَأَنَا أَنْظُرُ لاَ أُغْنِي شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ( أي ما عندي أحد يحميني لأن عبد الله بن مسعود ليس من قريش)، قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ(أي يتمايلوا على بعضهم)، يقول: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ(ثابت صلوات الله وسلامه عليه)،يقول: حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ(أي بنت النبي صلى الله عليه)، فَطَرَحَتْه عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ النبي صلوات الله وسلامه عليه رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» . ثَلاَثَ مَرَّاتٍ(يدعو عليهم صلوات الله وسلامه عليه)،يقول: فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ (كيف هم يعلمون أن النبي صالح قال ويعلمون أن النبي حق صلوات الله وسلامه عليه كما قال الله تبارك وتعالى :"قد نعلم أنه يحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" ،يقول : ثُمَّ قال: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، اللهم َعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ» - وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ -، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْعَى، يوم بَدْرٍ(أي في معركة بدر كلهم قد صرعوا). النبي صلى الله عليه وسلم وابو جهل: وكذلك أخرج مسلم ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ فَقِيلَ: نَعَمْ،(يعني يسجد محمد بين أظهركم وأنتم سكوت).قالوا: نعم. فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ(يعني أجعل وجهه في التراب)، يقول: فَأَتَى أبو جهل رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي،يقول: زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، يقولَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ،(ذهب ليضع قدمه على رأس النبي وهو ساجد ، فبمجرد أن اقترب من النبي صلى الله عليه وسلم أدار ظهره وأعطى النبي ظهره ، وصار يجري ويرفع يديه ، يتقي أي يدفع عن نفسه)، فقَالَ له الناس: مَا لَكَ يا أبا الحكم؟(أي ما الذي حدث ، وأبو جهل كان يسمى بأبي الحكم، فيما يرون من رجاحة عقله) قالوا ما لك يا أبا الحكم؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً(ورأى أجنحة)، يقول أبو هريرة: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا» هذا ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم. الصحابة والتعذيب: وأما ما وقع لأصحابه، فعثمان بن عفان كان عمه يلفه في حصيد من أوراق من نخي، ثم يدخنه من تحته. ومصعب بن عمير لما علمت أمه بإسلامه طردته من بيتها ، وأجاعته وكان من أنعم الناس عيشا في قريش. وأما بلال بن رباح فكان أمية بن خلف يخرج إذا حميت الظهيرة ، فيطرحه في بحطاء مكة (أي في أرض مكة)، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول : لا والله لا تزال هكذا حتى تموت ، أو تكفر بمحمد( صلى الله عليه وسلم) ، وتعبد اللات والعزى. فيقول بلال: أحد ، أحد .(هذا العذاب الذي كان يناله بلال من أمية بن خلف ، كان أمية ينال عذابا أكثر من هذا العذاب ، وهو بقول بلا: أحد ، أحد. فكانت أشد على أمية من عذاب بلال رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه). يقول: فمر به أبو بكر يوما وهم يصنعون ذلك به ، فاشتراه رضي الله عنه وأرضاه. وقيل أن أبا بكر لما جاء ليشتريه، قال: بكم؟( قال: تبيعونه بكم؟) قالوا: قل أنت. قال: تبيعونه بخمس مائة؟ قال أمية: بعته. فاشتراه أبو بكر . فقال أمية(كأنه يقول لأبي بكر قد غبنت (أو أن هذا العبد لا يستحق هذا المال الذي دفعته)فقال له أمية: لو دفعت أقل من هذا لأعطيناكه(يعني خمس مائة بعناك بلال أقل من هذا السعر ) فقال أبو بكر(يظهر قيمة بلال عند الله تبارك وتعالى )لو طلبت أكثر من هذا لدفعت. وكذلك وقع العذاب على عمار بن ياسر، وأمه وأبيه، فكانوا يُخرِجون عمار بن ياسر وأمه وأباه إلى البطحاء، ويعذبونهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بهم ويقول لهم: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. فمات ياسر، وماتت سمية أم عمار في العذاب، وهي كما يقال أول شهيدة في الإسلام. وبلغ الإضطهاد أشده حتى إن خباب بن الأرت يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو متوسد ببردة في ظل الكعبة(أي مستند على عباءة في ظل الكعبة) ، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت : ألا تدعو الله ؟ فقام وهو محمر الوجه، فقال:"قد كان من كان قبلكم ليُمْشَطوا بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، ولَيُتِمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت، ما يخاف إلا الله عز وجل ، والذئب على غنم، ولكنكم تستعجلون". رواه الإمام البخاري في صحيحه . ومع هذه الإضطهادات كلها ، كان الله تبارك وتعالى مع أوليائه سبحانه وتعالى.كما قال:" إن الله يدافع عن الذين آمنوا". |
#15
|
|||
|
|||
العودة إلى الدعوة سرا:
ولما اشتدت الدعوة ، وزاد الإيذاء ، رحع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعوة السرية صلوات الله وسلامه عليه، وذلك في دار الأرقم بن أبي الأرقم بعد هذه الإضطهادات التي تعرض لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأصحابه رضي الله عنهم. كان من الطبيعي أن النبي صلى الله عليه وسلم يعود مرة ثانية إلى الدعوة السرية ، وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم على الصفا. وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم ، فاختارها النبي صلى الله عليه وسلم لتكون مكان لإجتماعه ولأتباعه صلوات الله وسلامه عليه، وقد كانت هذه الإضطهادات في بداية السنة الرابعة من دعوة النبي صلوات الله وسلامه عليه. |
#16
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
الهجرة الأولى إلى الحبشة: وكان من حسن النبي صلوات الله وسلامه عليه على أصحابه ، أنه لما رأى كثرة الاضطهاد أمرهم صلوات الله وسلامه عليه بالهجرة إلى الحبشة ، وكان ملك الحبشة حينئذ رجلا يقال له أصحمة ، وقد ذكر بالعدل ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض المسلمين اذهبوا إلى أصحمة فإنه ملك عادل لا يظلم عنده أحد. وكانت الهجرة الأولى وذلك سنة خمس من النبوة ، فهاجر إثنا عشر رجلا ، وأربعة نسوة إلى الحبشة . وكان رئيسهم عثمان بن عفان رضي الله تبارك وتعالى عنه ، ومعه بنت النبي رقية رضي الله تبارك وتعالى عنها. ووقعت حادثة غريبة في تلك السنة في رمضان، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحرم وهناك جمع كبير من قريش في نواديهم كما هي عادتهم، فقامم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ، وأخذ يتلو سورة النجم من قول الله تبارك وتعالى:" وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) " وصار يقرأ صلوات الله وسلامه عليه هذه السورة مما احتوته من معان وألفاظ عجيبة لم يسمعوا مثلها أبدا ، حتى وصل إلى قول الله تبارك وتعالى:"فاسجدوا لله واعبدوا". فلما وصل صلوات الله وسلامه عليه إلى هذه الآية سجد صلوات الله وسلامه عليه ، فلم يتمالك أحد منهم حتى خرَّ ساجدا. فسجدت كل مكة . وذلك أن روعة هذه الآيات جرتهم وجعلتهم يسجدون مع النبي صلى الله عليه وسلم . ولما بلغ هذا الخبر (وهو سجود أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم) فظن بعض الناس أنهم آمنوا وأنهم اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم . ولما وصل هذا الخبر إلى الحبشة ظنوا أن قريشا كلها دخلت في الإسلام ، فرجعوا إلى مكة مرة ثانية في نفس السنة من شوال ، فلما وصلوا إلى مكة تبين لهم أن الأمر ليس كذلك ، وإنما ذلك السجود إنما وقع منهم اعترافا وإقرارا من داخل أنفسهم من صحة نسبة هذا القرآن لله تبارك وتعالى. ولا بأس أن ننبه على قضية جاء في بعض الروايات قصة يقال لها قصة الغرانيق ، وهذه القصة يعني مجملها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم، ولما بلغ قول الله تبارك وتعالى:"أفرأيتيم اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان" تذكر بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ :"أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" سمعت قريش بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى". قالو لهذا سجد أهل مكة الكفار منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه مدح أصنامهم وأثنى عليها. وهذه القصة باطلة ليس لها سند صحيح ، وإن ذكرها بعض أهل العلم. والدليل على بطلانها أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبدا أن يقول مثل هذا الكلام، وذلك أن هذا الكلام كفر . كيف يثني النبي صلى الله عليه وسلم على اللاّت والعزّى ، ثم كذلك أن هذه الرواية تخالف الرواية الصحيحة التي في البخاري ، والتي ذكرت آنفا. وإنّ النبي صلى الله عليه وسلم إنما قرأ سورة النجم كاملة فسجدت قريش لهذه السورة لا لأجل ذكر أنهم سمعوه وهو:" وتلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهنّ لترتجى". وقد ذكر بعض الرواة أن إبليس ألقاها(أي هذه الكلمات) على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشعر ، وهذا باطل إذ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبدا لا يفرق بين قول الله وقول إبليس. فلا شك أن هذه الدلائل كلها تدل على بطلان هذه القصة، وعلى فرض صحتها وأنها وقعت كذلك ، فإنما يكون إبليس هو الذي قال هذا لكفار مكة، ولم يسمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم . فيكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما قرأ:" أفرأيت اللات والعزى ومناة الثالث الأخرى". فقال إبليس:" تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى". وذلك أن إبليس قلد صلوات الله وسلامه عليه فظن أهل مكة أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي مدح آلهتهم وليس الأمر كذلك. الهجرة الثانية للحبشة: لما رجع المهاجرون من الحبشة إلى مكة ، ورأوا حقيقة الأمر وجليته، وهو أنّ كفار مكة ما دخلوا في الإسلام، وإنما تلك كانت إنما إشاعة ، فهاجروا مرة ثانية ، ولم يهاجر الجميع، وإنما بعضهم بقي ، كعثمان رضي الله عنه. وبعضهم هاجر مرة ثانية وتبعهم آخرون فكانت الهجرة الثانية ، وكان معهم ثلاث وثمانون رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وثماني عشرة امرأة . هؤلاء الذين هاجروا الهجرة الثانية إلى الحبشة. |
#17
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
[align=center]قريش تهدد أبا طالب:[/align] عند ذلك ذهب سادات قريش إلى أبي طال عم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : يا أبا طالب إن لك سنًّا وشرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه( أي طلبنا منك أن تنهاه فلم تنهه)، وإنا والله لا نصبر على هذا ( يأتي ويقرأ القرآن بين أظهرنا هذا ما لا نتحمله أبدت) ، قالوا: من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين(وهذا تهديد قوي من قريش لأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم). لما رأى أبو طالب أن الأمر قد اشتد بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني وقالوا لي كذا وكذا(وذكر له ما قالوا له). فأبقِ عليًّ وعلى نفسك ، ولا تُحملني من الأمر ما لا أطيق. (فظن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ عمه سيخذله وأنّه ضعف عن نصرته) فقال صلوات الله وسلامه عليه: "لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر _حتى يظهره الله أو أهلك دونه_ ما تركته. ثم استعبر صلوات الله وسلامه عليه وبكى ، وقام وترك أبا طال عمه واجلا من هذا الكلام الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم(وهذه الرواية ولو كانت لا تصح سندا وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمال على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، هذه وإن كانت لا ضعيفة من حيث السند، ولكن كما ذكر أهل العلم أن السيرة يتسامح فيها ولا بأس بذكرها لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه لم يتنازل ، ولكن هل فال هذه الكلمة بذاتها، أو قال غيرها العِلْمُ عند الله تبارك تعالى ). فلما مشى النبي صلوات الله وسلامه عليه وترك أبا طالب واجلا ، انتبه أبو طالب ثم نادى النبي صلى الله عليه وسلم ، فرجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو طالب: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت والله لا أسلمك لشيء أبدا . وذكر أبياتا طيبة يبين فيها صدقه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه ناصره ، وأنه لن يسلمه إلى كفار مكة أبدا ، قال: [align=center]والله لن يصلوا إليك بجمعهم*** حتى أُوسَّد في التراب دفين فامض لأمرك ما عليك غضاضة*** أبشر وقَرَّ بذاك منك عيونا ودعوتني وعلمت أنك ناصحي*** فلقد صدقت وكنت قدم أميـنا وعرضت دينا قد عرفـــت*** بأنه من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبة*** لوجدتني سمحا بذاك مبــينا[/align] قال هذه الأبيات وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فرحا بما سمع من أبيات ومن كلام أثلج صدره، من عمه أبي طالب. فلما رأت قريشا أن أبا طالب أبى أن يخذل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه مجمع على فراقهم ذهبوا إلى عمارة بن الوليد بن المغيرة ، وقالوا له: يا عمارة نعطيك لأبي طالب ونأخذ محمدا ثم نقتله ، وجاؤوا لأبي طالب وقالوا له : يا أبا طالب إن هذا الفتى (أي عمارة بن الوليد بن المغيرة) أنهد فتى في قريش وأجملهم ، فخذه فلك عقله ونصره ، واتخذه ولدا فهو لك ، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا ، الذي خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك ، وشفه أحلامهم ، فنقتله، فإنما هو رجل برجل . فقال أبا طالب: والله لبئس ما تسومونني ، أتعطوني ابنكم أغدوه لكم ، وأعطيكم ابني تقتلونه.هذا والله ما لا يكون أبدا.(الملاحظ من موقف أبي طالب من النبي صلى الله عليه وسلم من كفار مكة ، يستغرب من أنّ أبا طالب لم يسلم ولم يتابع النبي صلى الله عليه وسلم ). ولو وقفنا على قول أبي طالب: [align=center]لولا الملامة أو حذاري سبة*** لوجدتني سمحا بذاك مبــينا[/align] هذا هو الذي منع أبا طالب من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حق ، ولذلك قال الله تبارك وتعالى:"قد نعلم أنه يحزنك الذي يقولون ، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون"،فهم يعلمون الحق ويعلمون أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حق ، وأنه رسول من عند الله ، وأنّ الذي يتلوه ليس شعرا ، ولا سحرًا ، ولا كهانة، ولكنه الكبر والعياذ بالله تعالى. |
#18
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
فكرة الطغاة في إعدام النبي صلى الله عليه وسلم: وقد وقع للنبي صلى الله عليه وسلم إيذاء من عقبة بن أبي معيط بعد ذلك ، كما روى البخاري في صحيحه : عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص : أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم . فقال عبد الله: بينما النبي يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا( أي خنق النبي صلى الله عليه وسلم يريد قتله)، يقول فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه (أي منكبي عقبة) ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أتقتلون رجلا أي يقول ربي الله؟ النصر بإسلام رجلين: ثم جاء بعد ذلك النصر من الله تبارك وتعالى بالإسلام رجلين. إسلام حمزة رضي الله عنه وأرضاه: أما الأول فهو حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة. وسبب إسلامه أن أبا جهل عدو الله مرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو عند الصفا، فجاءه وآذاه، وسبه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يكلمه. ثم قام أبو جهل فحمل حجرا فضرب به رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، فشجه حتى نزف منه الدم، ثم انصرف عنه إلى نادي قريش(يعني مكان جلوسهم، فجلس معهم). وكانت مولاة (أي أمة)لعبد الله بن جذعان رأت ذلك ، فلما أقبل حمزة من القنص(أي صيد الطيور)، متوحشا قوسه ، جاءته هذه الأمة فأخبرته بما رأت وما فعل أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم فغضب حمزة رضي الله عنه وكان رجلا شديدا في عفوان شبابه ، وكان من أشجع قريش في ذلك الوقت رضي الله عنه وأرضاه، ومحمد صلى الله عليه وسلم ابن أخيه فخرج يسعى لم يقف لأحد(يسعى أي يمشي بسرعة ثم جاء لأبي جهل ، فلما دخل قام على رأسه وقال له: تشتم ابن أخي وأنا على دينه ، ثم قام وسبه ، ثم ضربه بالقوس وشجّ وجهه شجّة منكرة ، يقول فثار رجال من بني مخزوم( يعني من قوم أبي جهل وأبو جهل من مخزوم)، وثار رجال من بني هاشم لحمزة حتى كادت أن تكون معركة بين الحيين. فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة (أي حمزة) فإني قد سببت ابن أخيه سبًّا قبيحًا. يقول حمزة رضي الله عنه وأرضاه : فلما خرجت فكرت في الأمر .قلت: كيف أسلمت؟ كيف قلت أنا على دينه؟ وأنا لم أسلم بعد. يقول : فما هو إلا أن شرح الله تبارك وتعالى صدري للإسلام. وذلك أنه ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ، قلت يابن أخي إني قلت كذا وكذا فماذا أصنع . فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بأن يشرح الله تبارك وتعالى صدره للإسلام، فشرح الله تبارك وتعالى صدره للإسلام ، وأسلم وكان إسلامه نصرا للمؤمنين. إسلام عمر رضي الله عنه وأرضاه: وأما عمر وهو النصر الثاني ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه قال: اللهم أعز الإسلام بأحد الرجلين إليك ، بعمر بن الخطاب ، أو بأبي جهل بن هشام. وقصة إسلامه جاء فيها بأكثر من رواية ، ولكن أقرب الروايات إلى الصحة هو أن عمر رضي الله عنه يقول : خرجت إلى البيت(أي البيت الحرام) يقول ودخلت في ستر الكعبة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي ، وقد استفتح سورة الحاقة. يقول فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ، يقول عمر وأنا أستمع وأعجب من تأليفه(أي تأليف هذا القرآن يعني كيف هو مؤلف).يقول فقلت ف نفسي: هذا والله لشاعر كما قالت قريش ز فكانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قد وصلت إلى الموضع "إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ" يقول فقلت في نفسي : كاهن.فقرأ"وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ. تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ" يقول عمر :فوقع الإسلام في قلبي. ولما أسلم عمر جاء إلى رجل يقال له جميل بن معمر وهذا جميل بن معمر نقالة للحديث لا يستطيع أن يسكت أبدا. فجاءه عمر فقال له : أريد أن أخبرك شيئا وقال : وما هو؟ قال على أن لا تخبر به أحدا ، وهو يدري أن هذا الرجل لن يصبر ، ولكن عمر أراد أن يكون إخبار قريش عن طريق هذا الرجل. فقال له :أسلمت. فقام هذا الرجل وهو جميل بن معمر ، فنادى بأعلى صوت:إن ابن الخطاب قد صبأ ، إن عمر ابن الخطاب قد صبأ ، ويسير فيها يركض إن ابن الخطاب قد صبأ، وعمر يجري خلفه يقول كذب ، ولكنني أسلمت. فقاموا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فصاروا يقاتلونه (أي يضربونه) وهو يضربهم ، يضربونه ويضربهم هكذا حتى طلعت الشمس. وذكرت بعض الروايات أنهم ضربوه حتى سقط مغشيا عليه من شدة ضربهم . يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر. |
#19
|
|||
|
|||
أخيتي جزاك الله خيرآ
وأنا أقرأ قصص إسلام الصحابة رضوان الله عليهم والله كاني في زمنهم الحمدالله على نعمة الإسلام حمدآ كثيرآ وأنها لأعظم نعمة أن جعلنا مسلمين |
#20
|
|||
|
|||
اقتباس:
أسأل الله أن يثبتك على الحق |
أدوات الموضوع | |
|
|