للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ ( الأنبياء:69)
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ ( الأنبياء:69)
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أواخر الثلث الثاني من سورة الأنبياء وهي سورة مكية وآياتها اثنتا عشرة ومائة(112) بعد البسملة وقد سميت السورة بهذا الاسم لاستعراضها سير عدد من أنبياء الله منهم موسي وهارون وإبراهيم ولوط ونوح وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذو الكفل ويونس و زكريا وعيسي ابن مريم وخاتم الأنبياء والمرسلين ـ عليه وعليهم جميعا من الله السلام ـ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية ومن ركائزها الإيمان بالله ـ تعالي ـ ربا واحدا أحدا فردا صمدا بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ولا صاحبة ولا ولد والإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالبعث والحساب والجزاء وبالجنة والنار وبأنها إما جنة أبدا وإما نار أبدا. هذا وقد سبق لنا استعراض سورة الأنبياء و ما جاء فيها من ركائز العقيدة والقصص والإشارات الكونية ونركز هنا علي الإعجاز التاريخي في ذكر واحد من أهم الأحداث في سيرة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام والذي أورده القرآن الكريم في الآيات(51 ـ73) من سورة الأنبياء والتي يقول فيها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ ما نصه: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوَهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلايَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ ﴾(الأنبياء:51 ـ70) أولا: من أوجه الإعجاز التاريخي في النص الكريم: هذه الآيات القرآنية الكريمة تصف أعظم موقف في سيرة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ فبعد أن بين لكل من أبيه وقومه ضلالهم البعيد في الشرك بالله ـ تعالي ـ وعبادة الأصنام التي توعدهم بالكيد لها بعد خروجهم للاحتفال بأحد أعيادهم الوثنية توجه إبراهيم إلي معبد الأصنام فوجد أكداسا من الطعام عند قدمي كل تمثال مقدمة قربانا إليه فقام إبراهيم بتقريب الطعام إلي تلك التماثيل وقال لها هازئا ساخرا:( ألا تأكلون؟) ولما لم يسمع من التماثيل جوابا قال مستهزئا بها:( مالكم لا تنطقون؟) ثم تناول فأسا واهوي به علي التماثيل تحطيما وتكسيرا( فجعلهم جذاذا) أي فتاتا( إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون) وعلق إبراهيم الفأس في عنق الصنم الأكبر ليقيم الحجة علي قومه بعجز تلك الأصنام عن دفع الضر عن نفسها فكيف تنفع غيرها, وإذا عجزت عن ذلك كله فهي لا تستحق أن تعبد!! وعندما رجع القوم من عيدهم وجدوا أصنامهم محطمة فبهتوا متسائلين( من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين). فجاءهم الجواب من بعضهم:( سمعنا فتي يذكرهم يقال له إبراهيم) فأمر رؤساؤهم بإحضار إبراهيم علي مرآي من الناس لمحاكمته علي فعلته بأصنامهم( قالوا فأتوا به علي أعين الناس) فجاءوا به ليسألوه:( أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟) قال:( بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) ونزل هذا الجواب عليهم كالصاعقة التي نبهتهم من غفلتهم فلاموا أنفسهم وفي ذلك يقول القرآن الكريم:( فرجعوا إلي أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ـ ثم نكسوا علي رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) فرد عليهم إبراهيم بحجته البالغة: ﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلايَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ ولما لم يجدوا ردا علي حجة إبراهيم المنطقية لجئوا إلي البطش والتنكيل( قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين) فأعدوا حفرة عميقة وكدسوا الحطب فيها ومن حولها وأضرموا النار في حطب الحفرة حتى تحول جمرا ثم أوثقوا إبراهيم وهو يردد الشهادة لله ـ تعالي ـ وحده بالألوهية والربوبية والتنزيه عن جميع خلقه قائلا: لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد و لك الملك لا شريك لك. ثم وضع نبي الله إبراهيم المقيد بالحبال في كفة المنجنيق وألقوا به في النار. وهنا تتدخل الإرادة الإلهية بتعطيل احدي السنن الكونية وهي سنة الإحراق بالنار بالأمر الإلهي: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ ﴾وظل نبي الله إبراهيم يذكر الله ـ تعالي ـ وسط النيران المتأججة التي لم تحرق إلا وثاقه فقط, وإبراهيم في وسط النيران لم يصبه أي أذي والناس من حوله في ذهول وهو يردد: حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولي ونعم النصير اللهم إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد أعبدك فجاءه جبريل ـ عليه السلام ـ قائلا له: ألك حاجة يا إبراهيم؟ قال إبراهيم: أما إليك فلا!! فقال جبريل: فاسأل ربك فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي. ثم تحرك إبراهيم خارجا من حفرة النيران سليما معافى لم يصبه أي أذي والناس من حوله في ذهول من هذه المعجزة التي عايشوها بكل حواسهم وإن أنكرتها عقولهم الضالة الآثمة. وأمام هذه المعجزة الكبرى انفتحت قلوب نفر قليل من قوم إبراهيم للإيمان بدعوته وإن كتموا ذلك خوفا من بطش كبرائهم. وهذه الواقعة تمثل أعظم وأخطر المواقف في سيرة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام. وإن في تفصيل القرآن الكريم لهذا الموقف العظيم من سيرة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ لوجها من أوجه الإعجاز التاريخي في كتاب الله, وشهادة صدق لنبوة سيدنا محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ الذي بعث بعد موت إبراهيم ـ عليه السلام ـ بأكثر من ألفي عام فمن أين له بسيرة جده إبراهيم إلا بوحي من الله ـ سبحانه وتعالي ـ؟ ثانيا: من أوجه الإعجاز الاعتقادي في النص الكريم: 1 ـ وصف عبادة الله وحده بالرشد و(الرشد) لغة هو خلاف( الغي) وعلي ذلك فالرشد هو الهداية إلي عبادة الله ـ تعالي ـ وحده( بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ولا صاحبة ولا ولد) لأن الشرك بالله الخالق ظلم للنفس وحيود عن الحق ولذلك وصف القرآن الكريم نبي الله إبراهيم بالرشد وذلك بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين. 2 ـ التأكيد علي أن الدين لابد أن ينبثق عن قناعة قلبية وعقلية كاملة وليس عن الإتباع الأعمى للآباء دون إعمال العقل وبذل الجهد والقيام بالتمحيص. 3 ـ الجزم بأن الشرك بالله فيه إهدار لكرامة الإنسان وانحطاط به عن مقامات التكريم التي رفعه إليها الله لأن مناط التكريم في الإنسان يتجسد في خضوعه بالعبادة لله ـ تعالي ـ وحده. 4 ـ الإشارة إلي أن في خلق السماوات والأرض شهادة للخالق ـ سبحانه وتعالي ـ بالألوهية والربوبية والخالقية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه. 5 ـ التأكيد علي أن الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الحياة الدنيا وإن حاول الباطل دوما الاستعلاء بالقوة المادية علي أهل الحق. 6 ـ النصح بضرورة الحوار المنطقي الهادئ وبالحجة الواضحة وبالحكمة والموعظة الحسنة مع الضالين من بني آدم. 7 ـ ضرورة الإيمان بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة في جنبات الكون وبأن الله ـ تعالي ـ واضع السنن الحاكمة لكل شيء قادر علي إيقاف تلك السنن وتعطيلها أو قلبها وعكس مفعولها كما جعل النار التي تحرق بردا وسلاما علي إبراهيم وكما أجري جميع المعجزات الحسية لأنبيائه باختراق السنن المعروفة وتجاوزها بالكامل. ثالثا: من أوجه الإعجاز العلمي في النص الكريم: 1 ـ التأكيد علي قيمة العقل( الرشد) في الحكم علي الأشياء المادية والمعنوية والعقل الراشد هو وسيلة الإنسان لتحصيل العلم النافع. 2 ـ الحض علي تأمل ما في السماوات والأرض للتعرف علي شيء من صفات الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ والإيمان به والعلوم المكتسبة تؤكد علي الحكمة البالغة في كل أمر من أمورهما بل ومن أمور ما ندرك من الكون. 3 ـ الجزم بأن الله ـ تعالي ـ هو النافع والضار ومن هنا وجبت عبادته وحده دون غيره وكل معبود لا يستطيع جلب النفع أو دفع الضر لا يستحق أن يعبد ومن هنا كانت عبادة الأصنام والأوثان والسلطان والشهوات وغير ذلك من المخلوقات انحطاطا بالإنسان عن مقامات التكريم التي رفعه إليها خالقه والعلوم المكتسبة تؤكد أن الإنسان هو أرقي المخلوقات. 4 ـ التأكيد علي أن أمور الكون والكائنات جميعا هي بيد الله الخالق البارئ المصور الذي خلق الكون بكل ما فيه ومن فيه ووضع السنن والقوانين الحاكمة له وهو وحده القادر علي إيقافها وتعطيلها أو قلبها وانعكاسها وعلوم الفلك تؤكد ضرورة وجود مرجعية للكون في خارجه تكون مغايرة له مغايرة كاملة في كل شيء وقادرة علي تصريف كل أمر من أموره. 5 ـ ضرورة التسليم بحقيقة المعجزات والخوارق وإن عجزت العلوم المكتسبة عن تفسيرها بأدواتها المحدودة, فالكون بكل ما فيه ومن فيه هو خارقة من الخوارق ولكن انتظام السنن والقوانين الحاكمة له هي التي مكنت الإنسان بقدراته المحدودة من التعرف علي شيء منها وتبقي الغيوب أمام الإنسان أكثر من عالم الشهادة بأضعاف لا يكاد العقل البشري أن يتصورها. هذه بعض جوانب الإعجاز التاريخي والاعتقادي والعلمي في واقعة حوار نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع قومه كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية في نفس لغة وحيه( اللغة العربية) علي مدي يزيد علي أربعة عشر قرنا وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين. فالحمد لله علي نعمة الإسلام والحمد لله علي نعمة القرآن والحمد لله علي بعثه خير الأنام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. |
أدوات الموضوع | |
|
|