سنة رفع اليدين في الدعاء

[أبو عبد الرحمن عبد الباقي]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
أصبح رفع اليدين في الدعاء من السنن المهملة ، التي لا تؤدى كما ينبغي ، فتجد من يتكاسل عن رفع يديه بالكلية ، وتجد من لا يحسن رفعهما كما جاء عن الحبيب صلى الله عليه وسلم .
ففي هذه السطور أحاول أن أعرض لتلك السنة وكيفيتها وما صاحبها من أخطاء ، راجيا الله سبحانه أن تكون نافعة لكل من نظر فيها غن شاء الله :

حكمة رفع اليدين في الدعاء :
رفع اليدين من أسباب الخشوع والخضوع لله تعالى والمسكنة له سبحانه ، وكم من الناس من لا يشعر بلذة المناجاة إلا إذا رفع يديه لله تبارك وتعالى ، ليشعر بعظمة الخالق ، وذل المخلوق ، وهذا هو دأب النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حال دعائه كما دعا يوم بدر .
عَنْ سَلْمَانَ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  : (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)

فما نعدم والله خيراً من رب حيي كريم ، بل الخير كله بيديه ، لا تأتي ذرة من الخير فما فوقها إلا بإذنه وفضله وعلمه ، وهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض ، فسبحان من عظم جوده وكرمه من أن يحيط به الخلائق .
فارفع يديك - أخي - آناء الليل وأطراف النهار ، والزم قرع باب الملك الوهاب ، فما خاب من أمله ، وما خاب من أنزل به حوائجه .
عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ  عَنِ النَّبِىِّ  قَالَ :« كُلُّ شَىْءٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا أَخْطَأَ الْخَطِيئَةَ وَأَحَبَّ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَأْتِ بُقْعَةً رَفِيعَةً فَلْيَمُدَّ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ : إِنِّى أَتُوبُ إِلَيْكَ مِنْهَا لاَ أَرْجِعُ إِلَيْهَا أَبَدًا فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ فِى عَمَلِهِ ذَلِكَ »

ومن أدلــة رفــع اليـدين في الـدعـــاء :

ففي حديث أبي هريرة  عندما جاء الطفيل بن عمرو الدوسي للنبي  ، وطلب منه أن يدعو على دوس ، ففيه : (فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ  الْقِبْلَةَ ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ)

وكذلك حديث غزوة بدر فيه ( فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ  الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّه )

- وحديث جابر بن عبد الله  حينما قدم الطفيل بن عمرو مهاجرا ومعه رجل ، فمرض ذلك الرجل ثم قتل نفسه ، بأن قطع يده ، فرأى الرجل في المنام وقد غفر الله ، إلا ما قطعه من نفسه ، فذهب الطفيل إلى النبي  (فرفع رسول الله  يديه ، اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ ، اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ ، اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ)( )


من مواضع رفع اليدين في الدعاء :

1- رفع اليدين في الصلاة عند القنوت .

يستحب للإمام والمأموم في الصلاة ، أن يرفعوا أيديهم عند دعاء القنوت . وعلى هذا : أكثر أصحاب الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، والأحناف . وهو الأصح .
وبه قال من الصحابة : عمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود وأبو هريرة رضي الله عنهم جميعاً.
فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ  أَنَّه جَاءَ لِرَسُولِ اللَّهِ  فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ قَالَ : (فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلاةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا)
(حُسِرَ عَنْهَا) أي : كُشِفَ عن الشمس
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  فِى قِصَّةِ الْقُرَّاءِ وَقَتْلِهِمْ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ ، يَعْنِى عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ.
عن أَبِي عُثْمَان النهدي قال : (كَانَ عُمَر [ابن الخطاب]  يَرْفَعُ يَديه فِي الْقُنُوت)
وعَنْ خَلاَّسِ بْنِ عَمْرٍو الْهَجَرِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أنَّهُ صَلَّى فَقَنَتَ بِهِمْ فِي الْفَجْرِ بِالْبَصْرَةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى مَدَّ ضَبْعَيْهِ.
وعن الأسود قَالَ : كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِى الْقُنُوتِ إِلَى ثَدْيَيْهِ.
عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِى قُنُوتِهِ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ

وقول ثانٍ : أنه لا يستحب رفع اليدين في القنوت ، وهو قول مالك والأوزاعي وابن أبي مريم ، وقال الأوزاعي : إن شئت فأشر بإصبعك.

2- رفع الخطيب أو المأموم ليديه عند الدعاء أو في جلسة الاستراحة.

لا يجوز للإمام أن يرفع يديه وهو على المنبر عند الدعاء ، وكذلك لا يجوز للمصلين أن يرفعوا أيديهم عند التأمين على دعاء الإمام ، أو في جلسة الاستراحة ، لأن هذا لم يرد عن النبي  أو أحد من أصحابه الكرام ، بل لو حدث ولو مرة لنقل إلينا ، على كثرة الجُمَعِ التي صلاها الصحابة مع النبي  .

فهذا بشر بن مروان لما كان يوم الجمعة ورفع يديه يدعو فاعترض على فعله هذا عمارة بن رؤيبة  .
فعنْ عُمَارَة بْنِ رُؤَيْبَةَ  قَالَ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ : (لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ)( )

وعلى هذا فليس للخطيب ، إلا أن يشير بإصبعه السبابة فقط ، للحديث السابق .
ومما يؤكد أن المصلين ليس لهم أن يرفعوا أيديهم في التأمين على دعاء الخطيب أو في جلسة الاستراحة ، ما ثبت في صحيح البخاري ، أنه لما جاء أعرابي يستسقي رسول الله  فرفع النبي  يديه داعيا ربه ، ورفع الصحابة الحضور أيديهم كذلك ، فهذا موقف واحد نُقِلَ إلينا ، فما بالك بالجمعة التي هي كل أسبوع ، ولم يَنْقلْ أحدٌ من الصحابة ، أنهم رفعوا أيديهم في التأمين يوم الجمعة .


3- رفع اليدين في الدعاء للخطيب والمصلين في الاستسقاء والاستصحاء:

الاستسقاء : هو طلب نزول المطر ، والاستصحاء : طلب الصحو ، أي طلب وقوف المطر.
فيستحب للخطيب والمصلين ، أن يرفعوا أيديهم عند الدعاء للاستسقاء ، أو الاستصحاء ، ودليله :

ما ثبت عن أَنَس بْن مَالِكٍ  قَالَ : (أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ  فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ  يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا ، قَالَ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ  يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ قَالَ : فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ قَالَ : فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَفِي الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى .فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ  يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا قَالَ فَمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ  يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّمَاءِ إِلا تَفَرَّجَتْ حَتَّى صَارَتْ الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ حَتَّى سَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا قَالَ فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ)

وفي رواية أخرى: عن أَنَس بْن مَالِكٍ  قَالَ : أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَلَكَتْ الْمَاشِيَةُ هَلَكَ الْعِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ (فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ  يَدَيْهِ يَدْعُو وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُون)

4- رفع اليدين عند الدعاء للميت عند القبر :

رفع اليدين عند الدعاء على القبر جائز ، فقد ثبت فعل ذلك عن النبي  في مواضع مختلفة منها : عن عَائِشَة قَالَتْ : أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ عَنِّى وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قُلْنَا : بَلَى. قَالَ : قَالَتْ : لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِىَ الَّتِى كَانَ النَّبِىُّ  فِيهَا عِنْدِى انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا ، فَجَعَلْتُ دِرْعِى فِى رَأْسِى وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِى ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إِلاَّ أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ فَقَالَ « مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً ». قَالَتْ : قُلْتُ : لاَ شَىْءَ. قَالَ « لَتُخْبِرِينِى أَوْ لَيُخْبِرَنِّى اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ». قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى. فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ « فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِى رَأَيْتُ أَمَامِى ». قُلْتُ : نَعَمْ. فَلَهَدَنِى فِى صَدْرِى لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِى ثُمَّ قَالَ « أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ».
قَالَتْ : مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ نَعَمْ. قَالَ « فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِى حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِى فَأَخْفَاهُ مِنْكِ فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِى فَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِىَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ». قَالَتْ : قُلْتُ : كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ « قُولِى السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ »
موضع الشاهد من الحديث قول عائشة رضي الله عنها ( فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ)

قال الإمام النووي رحمه الله : قولها (حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ) فيه استحباب إطالة الدعاء ، وتكريره ، ورفع اليدين فيه، وفيه أن دعاء القائم أكمل من دعاء الجالس في القبور.


هيئات أو صور رفع اليد في الدعاء :


1- فإذا كان الدعاء ابتهالا : وهو شدة المبالغة في الطلب ، فيمد يديه في الدعاء ، ومثله ما جاء من دعاء النبي  في غزوة بدر وفيه (فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ  الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّه ...)

2- أن يكون دعاءً ومسألة : كقنوت الوتر أو الاستسقاء ، أو أي دعاء آخر ، فيرفع يديه ، حذاء وجهه ، أو حذو منكبيه .
ففي حديث أنس  في طلب الأعرابي من النبي  الاستسقاء ، فيه : (فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ  يَدَيْهِ بِحِذَاءِ وَجْهِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعا قَالَ (الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُمَا وَالاسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَالابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا)
حذوَ الشيء: في موازاته ومساواته ، المنكب: مُجْتَمَع رأس الكتف والعضد

3- أما عند الاستغفار ، فيرفع أصبعه السبابة ، كما في حديث ابن عباس السابق

4- وهي في دعاء الاستسقاء وحده فقط ، بأن تكون ظهر كفيه إلى السماء ، وبطونهما إلى الأرض
فعَنْ أَنَسٍ  (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ)
قال ابن حجر رحمه الله:
الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل ، بتقلب الحال ظهراً لبطن ، كما قيل في تحويل الرداء ، أو هو إشارة إلى صفة المسئول ، وهو نزول السحاب إلى الأرض .
قال النووي رحمه الله : قال جماعة من أصحابنا وغيرهم : السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء ، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء .
قلتُ : وتعميم هذا في كل دعاء لرفع بلاء فيه نظر ، فلم يثبت أن فعله النبي  في غير الاستسقاء .


وهل يمسح وجهه بيديه بعد الدعاء ؟

إذا كان العبد في صلاة، فلا يجوز له أن يمسح وجهه بيديه بعد الدعاء ، سواء كان هذا في قنوت الوتر أو غيره ، فلم أقف على دليل لمسح الوجه في الصلاة بعد الدعاء ، عن النبي  أو أحد من الصحابة أو السلف ، فلو كان هذا خيراً لسبقونا إليه ، فهم كانوا دائماً أحرص الناس على كل خير يقربهم من ربهم .

ـ أما إذا كان الدعاء خارج الصلاة ، فخلاف بين العلماء ، فصحح بعض العلماء جواز مسح الوجه باليد بعد الدعاء.

واختار بعض العلماء عدم جواز مسح الوجه حتى خارج الصلاة ، وهو الصواب .

واستدل الفريق الأول بحديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ  قَالَ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ)
أما الفريق الآخر : ذهب إلى ضعف هذا الحديث ، وعدم الاحتجاج به .

قال البيهقي رحمه الله: فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء ، فلستُ أحفظُه عن أحدٍ من السلفِ في دعاء القنوت .
وإن كان يُروي عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة ، وقد رُوي فيه عن النبي  حديث فيه ضعف ، وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة .
وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ، ولا أثر ثابت ولا قياس ، فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة ، وبالله التوفيق
وقال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله : ولا يمسح وجهه عقيب الدعاء إلا جاهل .

* من أخطاء رفع اليدين في الدعاء :

- بعض الداعين يجعل يديه مفرقتين أو مضمومتين تحت سرته ، أو إلى السرة أقرب ، ولا يخفى ما في هذا من عدم المبالاة وقلة الاهتمام بما هو فيه من مناجاة ودعاء رب العالمين .
- والبعض الآخر يجعل يديه عند رفعهما مفرقتين ، ورؤوس الأصابع إلى القبلة ، ولا شك أنها صورة مخالفة لصور الدعاء التي جاءت عن النبي  .

- ومن الأمور المخالفة في الدعاء أيضا ، تجد أحدهم بعد دعائه ، يمسح يديه ببعضها ، ومنهم من يقبلها ظهرا وبطنا ، وهذا كله لا أصل له في شرعنا .
سُئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
عن تقبيل اليدين بعد كل دعاء خارج الصلاة ، هل له أصل ؟ وإذا كان له أصل فهل هو صحيح أو خبره ضعيف؟
فأجاب رحمه الله :
بأني لم أرَ له أصلاً صحيحاً ولا ضعيفاً بعد مزيد البحث والتفتيش ، فلا ينبغي فعله.

- ومما نهى عنه نبينا  أن يدعو الرجل مشيرا بإصبعيه ، فعن أبي هريرة  أن النبي  (أَبْصَرَ رَجُلا يَدْعُو بِإصْبَعَيه جَمِيعًا ، فَنَهَاه ، وَقَالَ بِإحْدَاهمُا ، بِالْيُمْنَى)
وضع ابن حبان في صحيحه عنوانا لهذا الحديث أسماه ( ذكر الزجر عن الإشارة في الدعاء بأصبعبن)
ثم قال عقب الحديث : أُضمر فيه أن الإشارة بالأصبعين ليكون إلى اثنين ، والقوم عهدهم كان قريبا بعبادة الأصنام والإشراك بالله ، فمن أجلهما أمر بالإشارة بأصبع واحد .
وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله : والحكمة فيه : أن يستعمل في التوحيد : قلبه اعتقادا ، ولسانه قولاً ، ويده عملاً ، حتى يكون الاستيفاء بالعموم.
مَوْقِفٌ :
صلى القاضي ابن قريعة ليلة في دار الوزير المهلبي ، وأبو إسحاق الصابي يرمقه(ينظر) فأحس به القاضي ، فلما سلم ، قال له القاضي : ما لك ترمقني يا أخا الصابئة ؟ أحننتَ إلى الشريعة الصافية ؟
قال : بل أخذتُ عليك فيما يُؤخذ على مثلك.
قال : وما هو ؟
قال : ترفع يديك نحو السماء ، وتخفض جبهتك على الأرض ، فمطلوبك أين هو ؟
فقال : إنما نرفع أيدينا إلى مطالع أرزاقنا ، ونخفض جباهنا عن مصارع أجسادنا ، نستدعي بالأول أرزاقنا ، ونستدفعه بالثاني شر مصارعنا ، ألم تسمع الله سبحانه يقول (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات: 22]
وقال (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [طه: 55]

[درة مكنونة]

ربي يبارك فيك ع الطرح.. القيم

جزاك الله خير ع جهوودك... ووقتك

ددمت للخير ...